حال ، أو بوقت دون وقت آخر ، بل هو واقع تحت رعايته وصيانته منذ أن بعث إلى أن يلاقي ربَّه ، فلا يتعدى إضلال هؤلاء أنفسهم ولا يتجاوز إلى النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فهم الضالون بما هموا به كما قال : (وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ).
والفقرة الثانية : تشير إلى مصادر حكمه ومنابع قضائه ، وأنّه لا يصدر في ذلك المجال إلاّ عن الوحي والتعليم الإلهي ، كما قال سبحانه : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) والمراد المعارف الكلية العامة من الكتاب والسنة.
ولما كان هذا النوع من العلم الكلي أحد ركني القضاء وهو بوحده لا يفي بتشخيص الموضوعات وتمييز الصغريات ، فلا بد من الركن الآخر وهو تشخيص المحق من المبطل ، والخائن من الأمين ، والزاني من العفيف ، أتى بالفقرة الثالثة وقال : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) ومقتضى العطف ، مغايرة المعطوف ، مع المعطوف عليه ، فلو كان المعطوف عليه ناظراً إلى تعرّفه على الركن الأوّل وهو العلم بالأُصول والقواعد الكلية الواردة في الكتاب والسنّة ، يكون المعطوف ناظراً إلى تعرّفه على الموضوعات والجزئيات التي تعد ركناً ثانياً للقضاء الصحيح ، فالعلم بالحكم الكلي الشرعي أوّلاً وتشخيص الصغريات وتمييز الموضوعات ثانياً جناحان للقاضي يحلّق بهما في سماء القضاء بالحق من دون أن يجنح إلى جانب الباطل ، أو يسقط في هوّة الضلال.
قال العلاّمة الطباطبائي : إنّ المراد من قوله سبحانه : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) ليس علمه بالكتاب والحكمة ، فإنّ مورد الآية ، قضاء النبي في الحوادث الواقعة ، والدعاوى المرفوعة إليه ، برأيه الخاص ، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشيء ، وإن كان متوقفاً عليهما ، بل المراد رأيه ونظره الخاص. (١) ولما كان هنا موضع
__________________
(١) الميزان : ٥ / ٨١.