يلاحظ عليه : أنّ الرازي تصور انّه قد وقف على دليل حاسم في المقام ، فاستدلّ بما ذكرته المجبرة قبله بقرون وأجابت عنه العدلية بوجوه ، وقال الرازي في بعض كلماته : لو اجتمعت جملة العقلاء لم يقدروا على أن يوردوا على هذا الوجه حرفاً إلاّ بالتزام مذهب هشام وهو انّه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها. (١)
أقول : إنّ ما نسبه إلى هشام بن الحكم فرية عليه كما أوضحناه في محله (٢) ، وإليك الإجابة عن الدليلين الأوّلين ، أمّا الدليل الأوّل فلأنّ علمه الأزلي لم يتعلّق بصدور كلّ فعل من فاعله على وجه الإطلاق ، بل تعلّق علمه بصدور كل فعل عن فاعله حسب الخصوصيات المتوفرة فيه.
وعلى ضوء ذلك فقد تعلّق علمه الأزلي بصدور الحرارة من النار على وجه الجبر ، بلا شعور ، كما تعلّق علمه الأزلي بصدور الرعشة من المرتعش ، عالماً بلا اختيار ، ولكن تعلّق علمه سبحانه بصدور فعل الإنسان عن اختيار منه ، فتعلّق علمه بوجود الإنسان وصدور فعله منه اختياراً ، يؤكِّد الاختيار ويدفع الجبر عن ساحة الإنسان.
وإن شئت قلت : إنّ العلّة إذا كانت عالمة شاعرة ، ومريدة ومختارة كالإنسان ، فقد تعلّق علمه بصدور أفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرية ، فلو صدر فعل الإنسان منه بهذه الكيفية لكان علمه مطابقاً للواقع غير متخلّف عنه ، وأمّا لو صدر فعله منه عن جبر واضطرار بلا علم وشعور ، أو بلا اختيار وإرادة ، فعند ذلك يتخلّف علمه عن الواقع.
وأمّا الجواب عن الدليل الثاني فحاصله : انّ أبا لهب مكلّف بالإيمان لكونه
__________________
(١) شرح المواقف : ٨ / ١٥٥.
(٢) لب الأثر في الجبر والقدر : ١٥٠.