فإذا سمع العرب قول القائل :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
أو سمع قول الشاعر :
ولما علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم مرعى لنسر وكاسر |
فلا يتبادر إلى أذهانهم سوى الاستيلاء والسيطرة والسلطة ، لا العلو المكاني الذي لا يعد ـ حتّى ـ كمالاً للجسم ، وأين هو من العلو المعنوي الذي هو كمال الذات.
وقد جاء استعمال لفظ الاستواء على العرش في سبع آيات مقترناً بذكر فعل من أفعاله ، وهو رفع السماوات بغير عمد ، أو خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، فكان ذاك قرينة على أنّ المراد منه ليس هو الاستواء المكاني بل الاستيلاء والسيطرة على العالم كله ، فكما لا شريك له في الخلق والإيجاد لا شريك له أيضاً في الملك والسلطة ، ولأجل ذلك يقول في بعض هذه الآيات ـ بعد الإخبار عن استوائه على العرش ـ : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ). (١)
فالتأويل بلا قيد وشرط ، إذا كان ضلالاً ـ كما سيوافيك بيانه ـ فكذلك الجمود على ظهور المفردات ، وترك التفكّر والتعمّق أيضاً ابتداع مفض إلى صريح الكفر ، فلو حمل القارئ قوله سبحانه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٢) على أنّ لله مثلاً ، وليس لهذا المثل مثل ... إذن يقع في مغبّة الشرك وحبائله ، وقد نقل الرازي في تفسيره لهذه الآية كلاماً عن ابن خزيمة نأتي بنصّه حيث قال : «واعلم أنّ محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سمّاه
__________________
(١) الأعراف : ٥٤.
(٢) الشورى : ١١