(وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ). (١)
فالله سبحانه كما هو المقدِّر للمصير الأوّل ، هو المقدّر أيضاً للمصير الثاني ، فهو في كلّ يوم في شأن ، وانّه جلّ وعلى يبدئ ويعيد ، ويحيي ويميت ، يزيد في الرزق والعمر ويُنقص ، كلّ ذلك حسب مشيئته الحكمية والمصالح الكامنة. فكما هو عالم بالتقدير الأوّل ، عالم ـ في نفس ذلك الوقت ـ بأنّه سوف يزول ويخلفه تقدير آخر ، لكن لا بمعنى وجود الفوضى في التقدير ، بل بتبعية كلّ تقدير لملاكه وسببه.
إذا كان في هذه الآيات إلماع إلى إخلاف تقدير مكان تقدير ، ففي الآيات التالية تصريحات بأنّ الإنسان هو الذي يستطيع أن يغيّر مصيره بصالح أعماله وطالحها ، وأنّ التقدير الأوّل الذي نجم عن سبب في حياة العبد ليس تقديراً قطعياً لا يغيّر ، بل هو تقدير معلّق سيتغيّر إذا تغيّر سببه.
يقول سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٢) وليست هذه الآية ، آية فريدة ، بل هناك آيات كثيرة تُبيّن بأنّ للإنسان مقدرة واسعة على إخلاف تقدير مكان تقدير وقضاء مكان قضاء ، كلّ ذلك بمشيئته سبحانه وإرادته حيث زوّد العبدَ بحرية ومشيئة على أن يُخلف تقديراً مكان تقدير آخر ، وها نحن نقتصر على نزر قليل منها حتّى يتّضح الحال.
١. (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَ
__________________
(١) فاطر : ١١.
(٢) الأعراف : ٩٦.