اليرموك ، ردّوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج ، وقالوا : قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم ، فقال أهل حمص [وكانوا مسيحيّين] : لولايتكم وعدلكم أحبّ إلينا ممّا كنّا فيه من الظلم والغشم ، ولندفعنّ جند هرقل عن المدينة مع عاملكم ، ونهض اليهود فقالوا : والتوراة [أي قسماً بالتوراة] لا يدخل هرقل مدينة حمص إلاّ أن نغلب ونجهد ، فأغلقوا الأبواب وحرسوها ، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود وقالوا : إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنّا عليه [من الظلم والحرمان] ، وإلاّ فانّا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد.
فلمّا هزم الله الكفرة وأظهر المسلمين ، فتحوا مدنهم ، وأخرجوا المقلّسين (١) فلعبوا وأدّوا الخراج». (٢)
إنّ الحاكم الإسلامي ، من يشارك شعبه في إفراحه وإتراحه ، وفي آلامه وآماله لا أن يعيش في بروج عاجيّة ، متنعماً في أحضان اللذة رافلاً في أنواع الشهوات ، غير عارف بأحوال من يسوسهم.
يقول الإمام وهو يرسم ملامح الحاكم الإسلامي.
«أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أُسوة لهم في جشوبة العيش ، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها ، أو المرسلة ، شغلها تقممها». (٣)
__________________
(١) التقليس : استقبال الولاة عند قدومهم بضرب الدّف والغناء وأصناف اللهو ، راجع المنجد في اللغة.
(٢) البلاذري (م ٢٧٩ ه) ، فتوح البلدان ، ص ١٤٣.
(٣) نهج البلاغة ، الرسالة رقم ٤٥.