دخول النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ المدينة.
ورغم ما أوجد النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في ضوء التعاليم الإسلامية من تحولات عظيمة في حياة العرب إلاّ أنّ أكثرها كانت تتعلّق بقضايا عقائدية ومسائل أخلاقية ، لا بالحياة القبلية ، ولم يكن من الممكن أن ينقلب النظام القبلي العربي في خلال ثلاث وعشرين عاماً ويتبدل كلّيّاً. بل كان التعصب للقبيلة ولشيخها هو المظهر الأتم للحياة القبلية.
وعلى ضوء ذلك فهل يجوز في منطق العقل أن يترك القائد ـ كالنبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ـ أُمّته المفطورة على التعصبات القبلية والاختلافات العرفيّة دون أن يعين مصير الخلافة بتنصيب خليفة من بعده ، وفي تعيينه قطع لدابر الاختلاف والفرقة ، وسدّ لأفواه الطامعين بالخلافة؟!
وأوضح دليل على التعصبات القبلية في الشئون الاجتماعية ولا سيما في الخلافة العامة ، هو الخلاف والتشاجر الذي ظهر في السقيفة حيث سارعت كلّ قبيلة إلى ترشيح زعيمها للخلافة متجاهلة كلّ المبادئ والتعاليم الإسلامية ، فهذا هو الناطق بلسان الأنصار يرفع عقيرته في السقيفة ويقول :
نحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منّا وقد دفّت دافّة من قومكم (١) إذ هم يريدون أن يجتازون (٢) ويغصبونا الأمر.
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على رسوخ التعصبات القبلية في نفوسهم.
أفيصحّ لقائد محنك كالنبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أن يترك الأمر لقوم هذا مبلغ تفكيرهم وتغلغلهم في العصبية القبلية متجاهلة كل المعايير الإسلاميّة في الحاكم
__________________
(١) جاء جماعة ببطء.
(٢) أي يدفعوننا من أصلنا.