أمّا الأمر الأوّل : فيكفي فيه قوله سبحانه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (١) فقد وصف النبي في هذه الآية بأنّه مبيّن لما في الكتاب ، لا مجرّد تال له فقط.
وقوله سبحانه : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (٢) فكان النبي يتولى بيان مُجْمَلِهِ ومُطْلَقِهِ ومُقَيَّده ، بقدر ما تتطلبه ظروفه.
والقرآن الكريم ليس كتاباً عادياً ، على نسق واحد ، حتّى يستغني عن بيان النبي ، بل فيه المُحكَم والمتشابه ، والعام والخاص ، والمطلَق والمقيَّد ، والمنسوخ والناسخ ، يقول الإمام علي ـ عليهالسلام ـ : «وخلّف (النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ) فيكم ما خلّفت الأنبياء في أُممها : كتاب ربّكم فيكم ، مبيّناً حلالَه وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورُخَصَه وعزائمه ، وخاصّه وعامّه ، وعِبره وأمثاله ، ومُرسله ومَحْدُدَهُ ، ومحكمه ومتشابهه ، مفسّراً مجمله ، ومبيِّناً غوامضه». (٣)
وأمّا الأمر الثاني : فهو غني عن التوضيح ، فإنّ الأحكام الشرعية وصلت إلى الأُمّة عن طريق النبي ، سواء أكانت من جانب الكتاب أو من طريق السنّة.
وأمّا الأمر الثالث : فبيانه أنّ الإسلام قد تعرض ، منذ ظهوره ، لأعنف الحملات التشكيكية ، وكانت تتناول توحيده ورسالته وإمكان المعاد ، وحشر الإنسان ، وغير ذلك. وهذا هو النبي الأكرم ، عند ما قدم عليه جماعة من كبار النصارى لمناظرته ، استدلّوا لاعتقادهم بنبوة المسيح ، بتولده من غير أب ، فأجاب
__________________
(١) النحل : ٤٤.
(٢) القيامة : ١٩١٦.
(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١.