٣. مقدار الصحبة.
أمّا الأوّل فلا شكّ انّ الإنسان الواقع في إطار التربية إذا كان إنساناً يافعاً أو شاباً في عنفوان السن يكون قلبه وروحه كالأرض الخالية تنبت ما أُلقي فيها ، فربما تُكوّن الصحبةُ شخصية كاملة تعدّ مثلاً للفضل والفضيلة ، وهذا بخلاف ما إذا كان طاعناً في السن ، واكتملت شخصيّته الروحية والفكرية ، فانّ النفوذ في النفوس المكتملة الشخصية والتأثير عليها والثورة على أفكارها وروحياتها واتجاهاتها أمر صعب ، فيكون تأثير الصحبة أقل بمراتب من الطائفة الأُولى.
وأمّا الثاني ـ أعني : الاختلاف في الاستعداد ـ فهو أمر لا يحتاج إلى البيان ، فكما أنّ البشر يختلفون في تقبّل العلم ، فهكذا هم يختلفون في مقدار قبول الهداية الإلهية ، ولهذا نرى أنّ من تخرّجوا عن مدرسة الرسول يختلفون إيماناً وإيثاراً وأخلاقاً وسلوكاً.
وأمّا الثالث أي مقدار الصحبة فقد كانوا مختلفين فيه ، فبعضهم صحب النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ من بدء البعثة إلى لحظة الرحلة ، وبعضهم أسلم بعد البعثة وقبل الهجرة ، وكثير منهم أسلموا بعد الهجرة وربما أدركوا من الصحبة سنة أو شهراً أو أيّاماً أو ساعة فهل يصحّ أن نقول : انّ صحبة ما ، قلعت ما في نفوسهم جميعاً من جذور غير صالحة وملكات ردية ، وكوّنت منهم شخصيات ممتازة أعلى وأجل من أن يقعوا في إطار التعديل والجرح.
وهذه العوامل تؤيد الاتجاه الثاني القائل بأنّ تأثير الصحبة في صحابة الرسول ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لم يكن على نحو يجعل الجميع على حدّ سواء من الإيمان والفضل والتقوى والإيثار والزهد والخير ، وما دامت هذه الاختلافات سائدة عليهم فمن البعيد أن نجعلهم على غرار واحد ونزن الكل بصاع معيّن ، ونحكم على الكلّ