هذا وراء ما دار بينهم كلمات تكشف عن اعتقاد بعضهم في حق بعض ، فالاتّهام بالكذب والنفاق والشتم والسب كان من أيسر الأُمور المتداولة بينهم ، فهذا هو سعد بن عبادة سيّد الخزرج ، يخاطب سعد بن معاذ ، وهو سيد الأوس وينسبه إلى الكذب كما حكاه البخاري في صحيحه.
قالت عائشة : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخرج فقال لسعد [بن معاذ] كذبت لعمر الله ... فقام أُسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد [بن معاذ] فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنّه فإنّك منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيّان حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله يخفِّضهم حتّى سكتوا وسكت. (١)
وليست هذه القضية فريدة في بابها فلها عشرات النظائر في الصحاح والمسانيد وفي غضون التاريخ. وإنّما ذكرته ليكون كنموذج لما لم أذكر ، وسيوافيك في الفصول التالية نماذج من أفعالهم وأقوالهم التي يكشف عن اعتقادهم في حقّ مخالفيهم.
أو ليس من العجب العجاب ، انّ الصحابي يصف صحابياً آخر ـ في محضر النبي ـ بالكذب ، والآخر يصف خصمه بالنفاق ، وكلا الرجلين من جبهة الأنصار وسنامهم؟! ولكن الذين جاءوا بعدهم يصفونهم بالعدل والتقوى ، والزهد والتجافي عن الدنيا ، وهل سمعت ظئراً أرحم بالطفل من أُمّه. (٢)
__________________
(١) صحيح البخاري : ٣ / ٢٤٥ ، كتاب التفسير ، رقم الحديث ٤٧٥٠.
(٢) مثل يضرب.