المسلمون على خلافه في مورد التابعين.
إنّ البحث حول الصحابة لا يؤول إلى انهيار الدين وتصدّع الشريعة ، ما دام يعيش بين ظهرانيهم علماء ربّانيّون هم أُسوة في الحياة ، أُمناء على الدين والدنيا ، فلا يضرّ جرح طائفة أو فئة خاصة بثبات الدين وقوامه.
ومع ذلك كلّه ، نرى أنّ علماء الرجال وأصحاب الجرح والتعديل يحذرون من نقد حياة الصحابة أشدَّ الحذر ويعدّون ذلك من عمل المبتدعة ، يقول الحافظ ابن حجر في الفصل الثالث من «الإصابة» :
اتّفق أهل السنّة على أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة ، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك ، فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم ، ثمّ نقل عدّة آيات حاول بها إثبات عدالتهم وطهارتهم جميعاً ، إلى أن قال : روى الخطيب بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنّه زنديق ، وذلك انّ الرسول حقّ والقرآن حق ، وما جاء به حقّ ، وإنّما أدّى إلينا ذلك كلّه الصحابة ، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة. (١)
أقول : إنّ نقد الصحابي عقيدة وفعلاً ليس لغاية إبطال الكتاب والسنّة ، ولا لإبطال شهود المسلمين ، وإنّما الغاية من البحث في عدالتهم هي الغاية ذاتها من البحث في عدالة غيرهم ، فالغاية في الجميع هي التعرف على الصالحين والطالحين ، حتّى يتسنّى لنا أخذ الدين عن الصلحاء واجتناب أخذه عن غيرهم ، فلو قام الرجل بهذا العمل وتحمّل العبء الثقيل ، لما كان عليه لوم ، فلو قال أبو
__________________
(١) الإصابة : ١ / ١٧.