الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). (١)
قد ذكر كثير من المفسّرين هاهنا قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظناً منهم انّ مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنّها من طرق كلّها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح.
قال ابن أبي حاتم : حدّثنا يونس بن حبيب ، حدّثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال :
قرأ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بمكة النجم ، فلمّا بلغ هذا الموضع : (أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ، قال : فألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى وانّ شفاعتهن ترتجى ، قالوا : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم ، فسجد وسجدوا ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (٢)
لا يشكّ أي مسلم عارف بحقّ النبي الخاتم في أنّ القصة مكذوبة ، والأدلّة على نزاهة النبي عن هذه ، كثيرة ، ويكفيك انّ سورة الحجّ مدنية أمر فيها بالأذان بالحجّ وأذن فيها بالقتال وأمر فيها بالجهاد ولم يكن هذا الأمر وهذا الإذن إلاّ بعد الهجرة بأعوام. وانّ الذي بين ذلك ، وبين الوقت الذي يجعلونه لخرافة الغرانيق أكثر من عشرة أعوام. ولو أغمضنا عن ذلك ، إذ لا مانع من كون السورة مكية وبعض آياتها مدنية ، لكفى في إبطالها ما أقمنا عليه في
__________________
(١) الحج : ٥٢ ـ ٥٤.
(٢) تفسير ابن كثير : ٤ / ٦٥٥ ؛ ولاحظ تفسير الطبري : ١٧ في تفسير نفس الآية ، ص ١٣١ ، وغيرهما.