وقال الذهبي : وأمّا الصحابة فبساطهم مطوي ، وإن جرى ما جرى ، وإن غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات!! فما يكاد يسلم أحد من الغلط ولكنّه غلط نادر لا يضر أبداً ، إذ على عدالتهم ، وقبول ما نقلوا ـ العمل وبه ندين الله تعالى. وأمّا التابعون فيكاد فيهم ـ من يكذب عمداً ، ولكن لهم غلط وأوهام ... وأمّا أصحاب التابعين كمالك والأوزاعي ، وهذا الضرب ، فعلى المراتب المذكورة ووجد في عصرهم من يتعمد الكذب أو من كثر غلطه ، فترك حديثه هذا مالك وهو النجم الهادي بين الأُمّة ، وما سلم من الكلام فيه ، وكذا الأوزاعي ثقة حجة ، وربما انفرد ووهم ، وحديثه عن الزهري فيه شيء .... (١)
وقال الطحاوي : ونحبّ أصحاب رسول الله ولا نفرّط في حب أحد منهم ، ولا نتبرّأ من أحد منهم ، ونبغض من يبغضهم ، وبغير الخير يذكرهم ، ولا نذكرهم إلاّ بخير ، وحبّهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. (٢)
ولمّا كان القول بعدالة الصحابة جميعاً أمراً غريباً ، إذ كيف يتصوّر أنّ جماعة كثيرة ربما تناهز مائة ألف قد صاروا عدولاً بمجرّد الرؤية أو بإضافة الصحبة مع أنّ قسماً منهم كانوا يفقدون حسن السابقة في عهد الجاهلية وارتكبوا جنايات يندى لها الجبين ، فهل يمكن أن تكون رؤية الرسول ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أو صحبته إكسيراً يقلب العنصر الخبيث إلى العنصر الطيب كقلب النحاس إلى الذهب؟
كلاّ لا يمكن ، ولا العقل يصدقه ، ولا العلم ولا التجربة الاجتماعية.
ولذلك نرى أنّ بعض المنصفين من أهل السنة توقّفوا في الحكم بعدالة جميع
__________________
(١) الرواة الثقات : ٢١.
(٢) شرح العقيدة الطحاوية : ٣٩٦.