ذكر المسعودي : اجتمع عمرو بن العاص مع أبي موسى الأشعري في دومة الجندل ، فجرى بينهما مناظرات ، وقد أحضر عمرو غلامه لكتابة ما يتّفقان عليه ، فقال عمرو بن العاص بعد الشهادة بتوحيده سبحانه ونبوّة نبيّه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ونشهد أنّ أبا بكر خليفة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ عمل بكتاب الله وسنّة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ حتى قبضه الله إليه ، وقد أدّى الحق الذي عليه.
قال أبو موسى : اكتب ، ثمّ قال في عمر مثل ذلك ، فقال أبو موسى : اكتب. ثمّ قال عمرو : اكتب انّ عثمان ولي هذا الأمر بعد عمر على إجماع من المسلمين وشورى من أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ورضا منهم وأنّه كان مؤمناً ، فقال أبو موسى الأشعري : ليس هذا ممّا قعدنا له ، قال : والله لا بدّ من أن يكون مؤمناً أو كافراً ، فقال أبو موسى : كان مؤمناً. قال عمرو : فمره يكتب ، قال أبو موسى : اكتب. قال عمرو : فظالماً قتل عثمان أو مظلوماً؟ قال أبو موسى : بل قتل مظلوماً ، قال عمرو : أو ليس قد جعل الله لوليّ المظلوم سلطاناً يطلب بدمه؟ قال أبو موسى : نعم. قال عمرو : فهل تعلم لعثمان ولياً أولى من معاوية؟ قال أبو موسى : لا ، قال عمرو : أفليس لمعاوية أن يطلب قاتله حيثما كان حتّى يقتله أو يعجز عنه؟ قال أبو موسى : بلى ، قال عمرو للكاتب : اكتب وأمره أبو موسى فكتب ، قال عمرو : فإنّا نقيم البيّنة على أنّ علياً قتل عثمان .... (١)
ومن يقرأ قصة التحكيم في حرب صفّين يجد أنّ إقحام الاعتقاد بخلافة الشيخين ، كان تمهيداً لانتزاع الإقرار بخلافة الثالث ، ولم يكن الإقرار بخلافة الثالث مقصوداً بالذات ، بل كان ذريعة لانتزاع اعترافات أُخرى من أنّه قتل مظلوماً ، وأنّه ليس له وليّ يطلب بدمه أولى من معاوية وأنّ علياً هو الذي قتله.
__________________
(١) مروج الذهب للمسعودي : ٢ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧.