غير أنّ لفيفاً من الصحابة كانوا يصرون على النبي بالعفو عنهم وقبول الفداء منهم (قبل الإثخان في الأرض) فأخذوا الأسرى ، فنزلت الآية في ذم هؤلاء وعرّفهم بأنّهم استحقوا مسَّ عذاب عظيم لو لا ما سبق كتاب من الله ، يقول سبحانه : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). (١)
والمستفاد من الآيتين أمران :
الأوّل : انّ الحافز لأكثرهم أو لفئة منهم هو الاستيلاء على عرض الدنيا دون الآخرة كما يشير إليه سبحانه بقوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ). (٢)
الثاني : لقد بلغ عملهم من الشناعة درجة ، بحيث استحقُّوا مسَّ عذاب عظيم ، غير أنّه سبحانه دفع عنهم العذاب لما سبق منه في الكتاب ، قال سبحانه : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) أخذ الأسرى (عَذابٌ عَظِيمٌ).
فقوله : (عَذابٌ عَظِيمٌ) يعرب عن عظم المعصية التي اقترفوها حتّى استحقوا بها العذاب العظيم.
أفيمكن وصف من أراد عرض الدنيا مكان الآخرة واستحقّ مس عذاب عظيم بأنّه ذو ملكة نفسانية تصده عن اقتراف الكبائر والإصرار على الصغائر ، كلاّ ، ولا.
__________________
(١) الأنفال : ٦٧ ـ ٦٩.
(٢) الأنفال : ٦٧.