منكم) لا من الأجيال المستقبلة ، فهؤلاء أصحابه الذين عاشوا معه في عصر الرسالة ، حتّى استحقوا بأن يصفهم النبي عند الاستغاثة بقوله : «يا رب أصحابي».
فلا أظن من يدرس هذه الروايات الواردة الصحيحين وغيرهما بتجرّد وموضوعية أن يدور في خلده ، انّ المراد من الذين ارتدوا على أدبارهم ، أُمّته الذين أتوا بعده وعاشوا في أحقاب بعيدة عن عصر الرسول ، ولم يكن فيها من وجود الرسول عين ولا أثر ، إذ لو كان هذا هو المراد ، فمتى عاش معهم النبي ، حتّى عرفهم وعرفوه؟ ومتى كانوا معه حتّى صحّ وصفهم بقوله : «رجال منكم» ومتى صحبوه (فترة قصيرة أو طويلة) وصاروا أصحابه؟
ومن التجنّي على الحقيقة القول : «بأنّ جميع الأُمّة أصحاب النبي ، كما أنّ جميع من يقلّدون الشافعي مثلاً أصحابه» فانّ هذا التفسير في المقيس عليه ممنوع فكيف المقيس؟ فأصحاب الشافعي هم الذي تربّوا على يديه والتفُّوا حوله وانتفعوا بعلمه ، وأمّا الذين جاءوا بعده ولم يشاهدوه فهم أتباعه ، لا أصحابه ، فلو صح إطلاق الأصحاب عليهم ، فإنّما هو إطلاق مجازي لا حقيقي.
وأمّا المقيس فالحال فيه واضحة.
فالصحابة ، في الروايات والآثار ، هم الذين أقاموا مع رسول الله فترة من الزمن ، أو رأوا رسول الله وأدركوه وأسلموا ، إلى غير ذلك من التعاريف التي ذكرها الجزري في «أُسد الغابة». (١)
وليس هذا المورد إلاّ كسائر الموارد التي وردت فيها كلمة الصحابة ، مثلاً رووا عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنّه قال : «لا تسبُّوا أصحابي» كما رووا عنه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنّه قال : مثل
__________________
(١) أُسد الغابة : ١ / ١٢١١.