دفع وهم
وربما يتوهم انّ الآية بصدد الثناء على عامة المهاجرين والأنصار ، وهذا هو الظاهر من خطباء القوم ومؤلّفيهم وهو الذي ذكره الرازي قولاً ثانياً وقال : منهم من قال تتناول الآية جميع الصحابة ، لأنّ جملة الصحابة موصوفون بكونهم سابقين أوّلين بالنسبة إلى سائر المسلمين ، وكلمة «من» في قوله (مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) ليست للتبعيض ، بل للتبيين ، أي والسابقون الأوّلون الموصوفون بوصف كونهم مهاجرين وأنصاراً ، كما في قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) وكثير من الناس ذهبوا إلى هذا القول. (١)
يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ المتّبع في تفسير الآية ، هو المتبادر عند أهل اللسان من ظاهر الآية ، فإذا كان الصحابة حسب شهادة بعض الآيات منقسمين إلى قسمين سابق في الهجرة والنصرة ولاحق فيهما ، يكون السبق واللحوق قائمين بنفس الصحابة ، فمنهم سابق ومنهم لاحق لا أنّ كلّهم سابقون ، ومن آمن بعدهم لاحقون. يقول سبحانه (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا). (٢)
وثانياً : لو كانت الآية بصدد الثناء على عامة المهاجرين والأنصار ، بل مطلق الصحابة وإن لم يكونوا منهما ، تلزم لغوية قوله : (السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) ، بل يكفي أن يقال : (المهاجرون والأنصار و...) ، لأنّ سبب الرضا والثناء هو هجرتهم ونصرتهم لا سبقهم على سائر الاجيال ، لأنّ سبقهم على سائر المسلمين في الأجيال اللاحقة لم يكن أمراً اختيارياً لهم ، وهذا بخلاف ما لو بان الثناء على
__________________
(١) التفسير الكبير : ١٦ / ١٧١.
(٢) الحديد : ١٠.