فإذا كانت أعمالهم الإجرامية من مصاديق التراحم فكيف يكون تباغضهم ومشاجراتهم؟!
وهل كان في وجوه الأعراب والطلقاء وأبنائهم والذين آمنوا بعد الفتح أثر للسجود؟!
الثانية : انّ ذيل الآية يشهد بأنّ الثناء على قسم منهم ، يقول تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) فانّ لفظة «من» في قوله : «منهم» للتبعيض ، وما يقال من أنّ «من» بيانية غير صحيح ، لأنّها لا تدخل على الضمير مطلقاً في كلامهم وإنّما تدخل على الاسم الظاهر ، كما في قولك : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (١). (٢)
الثالثة : انّ الآية نزلت قبل فتح مكة وبعد الحديبية ، والمراد من قوله سبحانه في هذه الآية : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) هو الفتح في صلح الحديبية ، وفيه إخبار عن فتح مكة في المستقبل بقوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً). (٣)
فالآية تتضمن الإخبار عن فتحين آخرين :
١. عمرة القضاء وأشار إليه بقوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ).
__________________
(١) الحج : ٣٠.
(٢) وربما يستشهد على دخول من البيانية على الضمير بقوله تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ). والاستدلال مبني على عود الضمير في تزيلوا إلى المؤمنين ، والضمير في «منهم» إلى الذين كفروا ، ولكنّه غير صحيح ، بل الضميران جميعاً يرجعان إلى مجموع المؤمنين والكافرين من أهل مكة فتكون «من» تبعيضية لا بيانية.
(٣) الفتح : ٢٧.