سبحانه ، فكيف يمكن فصل أثره عنه تعالى؟!
ولأجل إيضاح الموضوع نقول : إنّ الأسباب الطبيعية على أقسام :
١. سبب مؤثر ـ بإذن الله ـ فاقد للشعور.
٢. سبب مؤثر ـ بإذن الله ـ واجد للشعور ، لكن فاقد للاختيار كحركة المرتعش.
٣. سبب مؤثر ـ بإذن الله ـ واجد للشعور والاختيار كتحريك الإنسان ليده.
فالحرارة تصدر من النار بإذنه سبحانه بلا شعور.
وحركة يد المرتعش تصدر منه مع علم الفاعل بلا اختيار.
والأفعال التي يُثاب بها الإنسان أو يعاقب وبها تناط سعادته وشقاؤه يوم القيامة تصدر منه عن علم واختيار ، كلّ ذلك بإذنه ومشيئته.
فلا القول بالتوحيد الأفعالي (لا مؤثر ولا خالق إلاّ هو) يصادم الاختيار ، لأنّ حصر الخالقية المستقلّة بالله لا ينافي نسبة الخالقية غير المستقلة وغير النابعة من ذاته إلى الإنسان ، ولا القول بالاختيار يزاحم سلطانه وقدرته ، فالفعل فعل الإنسان ، لأنّه السبب القريب وفي الوقت نفسه منسوب إليه سبحانه لكونه السبب البعيد (١) الذي أوجد الإنسان وأفاض عليه القدرة وزوّده بالاختيار.
هذا بيان موجز لهذا القول الموروث من أئمّة أهل البيت واستقبل المفكّرون من أهل السنّة هذه الفكرة ، كالإمام الرازي والشيخ عبده في رسالة التوحيد ، لمّا رأوا انّ في القول بالجبر الأشعري مضاعفات لا تحتمل ، وقد شاع ذلك القول بين المفكّرين المصريّين في العصر الأخير لما تأثّروا بالأفكار الغربية المروّجة للحرية والاختيار.
__________________
(١) قد استخدمنا «السبب البعيد» لأجل تقريب المطلب ، وإلاّ فالواقع فوق ذلك.