وخلاصة القول أن هذا النوع من الأوقاف السلطانية غير صحيح ، وبالأخلق وقف الوزراء وعمال الولايات. ولو اقترن بموافقة سلطانهم الأعظم ، لأن عمال القرون المظلمة في عهد الحكم الإقطاعي كانوا يقترفون في إيالاتهم ما شاءوا وشاءت أهواؤهم فيقتلون البررة والأبرياء ، ويعفون عن الجناة وقطاع السابلة الأشقياء ، ويصادرون أموال من يشاءون ، ويصلون بها من يشاءون. فإذا كان الموت والحياة بين شفتيهم ، وحقوق العباد الخاصة ألعوبة بين أيديهم ، وأموال الرعية مباحة لديهم ، فأخلق بهم أن يعبثوا بالحقوق العامة كأرض بيت المال الشائعة الانتفاع بين أفراد الأمة ، فراغا بالبيع أو انتقالا بالإرث ، أو إحياء بالعمل مقابل البدل. فقد كان هؤلاء الظلمة يضعون أيديهم على ما يختارونه من أرض إيالتهم الأميرية المملوكة الانتفاع فضلا عن الشاغرة (وهي ما تدعى بمصطلح قانون الأرضين بالمحلولات الأميرية) ويتملكون هذا الحق بالتفويض من أنفسهم لأنفسهم ، لأنهم الكل بالكل لا يسألون عما يفعلون ، ما داموا يشترون الولاية على الإيالة بثمن مقطوع ، يؤدونه مسانهة إلى سلطانهم أو أعوانه ، وبعبارة ثانية يفهمها عوام الموظفين الحكوميين ، ما دام الولاة يلتزمون الولاية على الإيالة من أعوان السلطان بالمزايدة ، حتى تصل إلى بدلها اللائق أو الفاحش ، ويقع عليهم المزاد الأخير وتحال إلى عهدتهم إحالة قطعية.
وكل وقف من أوقاف السلاطين يتحول من منفعة خاصة إلى مصلحة عامة فهو صحيح والعكس بالعكس. وحكمة ذلك سد الذرائع بوجه الوزراء وعمال الإيالات الظالمين الذين كانوا يطوقون بنفوذهم الأرض الشاغرة ، ويغتصبون المملوكة وينتفعون بحق قرارها ، ثم يحتالون بوقفه خشية المصادرة. وقد مهد لهم سبل الاحتيال المتفقهة المصانعون ، فأفتوهم بصحة الوقف على النفس الذي يروى القول بصحته عن بعض علماء السلف لمصلحة عامة، وهي ترغيب الناس بالوقف لأن مصيره بعد موت الواقف وانقراض ذريته إلى جهة لا تنقطع ، وهي الفقراء والمساكين الذين لا تخلو منهم الأرض في كل عصر وقطر. لكن متفقهة السوء قلبوا هذه المصلحة مفسدة فأعانوا الظلمة بهذه الفتوى وأضرابها على إفراز المزارع من أرض بيت المال ، وحبس