وأما القسم الثاني وهو الأهلي فينقسم إلى طائفي وذرّي ، والأول ما حبسه الواقف على طائفة مخصوصة من الناس. والثاني ما حبسه على ذريته من بعده. وهذه الأقسام تبع لانقسام الوقف باعتبار المتعلق ، لأنه ينقسم باعتبار متعلقه وعوارضه إلى أقسام كثيرة ، فالمتعلق الموقوف له كالعبادة التي وقفت لأجلها المعابد ، والثاني الموقوف عليه وهو المخلوقات التي تتمتع بنعمة ما حبس عليها ، والثالث الأعيان الموقوفة. وأما العوارض فهي كالصحة أو عدمها من الوجهة الشرعية ، وكالضبط أو الإلحاق من الوجهة الإدارية ، وقد يتداخل بعض هذه الأقسام مع فروعها فيقال مثلا وقف خيري صحيح مضبوط.
ولانقسام الأعيان إلى ثابتة ومنقولة انقسم الوقف باعتبار هذا المتعلق إلى وقف الأموال الثابتة ووقف الأموال المنقولة. فالثابتة كأرض الزراعة المملوكة الرقبة والحوائط والبساتين والعرصات والعقارات المسقوفة. وهذا النوع لا خلاف بين جمهور علماء المسلمين بصحة وقفه. وأما الأموال المنقولة صامتة كانت أو ناطقة ، فقد اختلف الفقهاء بصحة وقفها ، والمعتمد الصحة وفقا لما جرى عليه تعامل المسلمين في القديم والحديث من وقف المصاحف والكتب والجنازة ونحو ذلك ، وبالأولى معدات الجهاد كالسلاح والكراع.
والأرض الأميرية سواء أكانت عشرية أم خراجية لا يصح وقفها إلا إذا كانت مملوكة الرقبة ، فإذا ملكها السلطان ملكا شرعيا فله أن يقفها على من يشاء كتصرفه ببقية أمواله المملوكة. والواجب إذا تقييد وقف السلاطين الأرض الأميرية بالأوقاف الأهلية ، إذ لا يسوغ للسلطان أن يفرز مزرعة من أرض بيت مال الأمة العام ويخصها بفئة من الناس على سبيل الحبس والتأبيد ، كما فعل السلطان سليم الأول العثماني حينما استولى على الشام بإفرازه كثيرا من المزارع بدون تملك رقبتها ، ووقفها على أرباب الزعامة الدينية وذراريهم. والعشر الذي تتقاضاه اليوم البقية الباقية من الذرية أو أدعياء النسب المندسون بها ، هو ضرب من السحت يجب أن يتحول مجراه عن هذه الحليمات الطفيلية إلى مصالح الأمة ومرافقها الخيرية العامة.