ديوان الأوقاف وإدارتها ، ما دام أعضاؤها عاطلين من الأهلية علما وخلقا ، ولأكثرهم علائق بوقف خيري أو أهلي ، مما هو مخالف للقانون. فهم لا علم ولا نزاهة ولا غيرة. أما نظار الأوقاف الأقوياء بالمجد الكاذب ، فقد كانوا يتصرفون تصرف الملاك بالأعيان الموقوفة الريع على المعاهد الدينية والخيرية وعلى ذرية الواقفين ، فضلا عما يختلسونه من المدارس وأفنية المساجد ، يتخذون جميع ذلك دورا وحوانيت وحدائق ، وينقلونها في سجلات التمليك من الوقف المحض إلى الملك الصرف. وإذا طالب بعض أرباب الغيرة بإعادة الأوقاف إلى حالها وإجراء أمورها على حقيقتها تقام عليهم الدعاوى المزورة ، وتنصب لهم المكايد وأشراك الانتقام. وكأن لسان حال ديوان الأوقاف ومجلس إدارتها ورئيسه يقول لنظار الأوقاف المختلسين : (سكتنا عنكم لتسكتوا عنا) لأن جميعهم باستنزاف الأموال وسحق الضعفاء سواء.
ولقد انتظم ديوان أوقاف الشام في الجملة بعد إعلان القانون الأساسي (١٩٠٨ م) وتسرب إليها شيء من الإصلاح بفضل الخطط التي رسمها وزير الأوقاف العثمانية العربي خليل حمادة باشا ، وتناقص النهب والاختلاس بالنسبة إلى العهد المنصرم ، غير أن المعاهد والمعابد لم ينلها حظ من زيادة الواردات ، لأنها كانت تنفذ إلى العاصمة فتنفق كغيرها من واردات أوقاف الإيالات العثمانية كإنشاء فنادق كبرى للوقف في الاستانة. وظلت قوانين الأوقاف كما كانت في عهد السلطان عبد الحميد حبرا على ورق. ومما يسجل من أعمال الدولة في الحرب العالمية أنها انتهكت الحرمات باسم الجهاد المقدس ، وذلك باتخاذ المعابد وفي مقدمتها الحرم النبوي الشريف ، والمدارس والمعاهد الخيرية وملاجئ الإسعاف العام ثكنات لمأوى الجنود وإصطبلات لربط الخيول ، وحبس الأنعام ، ومستودعات لادخار أنواع الذخيرة وضروب الميرة. ولما انجلى الترك عن ربوع الشام ، أغاروا على سجلات الأوقاف ووثائقها وأوراقها الخطيرة ونقودها ، كما أغاروا على وثائق أغلب الدواوين وسجلاتها ونهبوا نقودها ، وفي عدادها أموال اليتامى وأمانات المصارف الزراعية ، فأصيبت دواوين الأوقاف من أجل هذا بمصيبة عظيمة.