سوى مقدار زهيد لقاء تطبيق المعاملة على الأصول المرعية الإجراء ، بالحصول على وثائق وصول النفقات إلى البائسين المستعارين الذين يستعيرهم الديوان مقابل توقيع الوقائع والأسناد الكاذبة. والوسيلة الثانية أشد خفاء من الأولى ، وهي مواطأة دائرة الأوقاف مع نظار الأوقاف الملحقة الغزيرة الريع على أكل أوقاف المسلمين الكثيرة العدد ، وهي مما حبسه السراة والأمراء والوزراء الأسبقون على ذراريهم ، وعلى المعاهد الخيرية والمعابد ، وجعلوا الولاية عليها في الأرشد على ذريتهم. وذلك أن هؤلاء النظار نظار الأوقاف الخيرية الملحقة كانوا يتقاضون أعشار القرى المضبوطة الوقف من الخزانة العامة باسم الأوقاف الأهلية والخيرية ، على حين درس جل بل كل المدارس والمساجد وأصبحت أسماء لا مسميات لها ، درست وانقلبت حوانيت وفنادق ودورا وقصورا ، وسجلت في سجلات التمليك ملكا حرا لهؤلاء النظار المختلسين ، ثم انتقلت لورثتهم ولمن ابتاعها منهم. وكانوا يتقاضون أموال العشر الخاصة لهذه المعاهد ، ويدرجون بكل قحة وجرأة مبلغا وافرا باسم النفقة على تنويرها وترميمها وفرشها وإقامة شعائرها ، ثم يتغاضى ديوان الأوقاف عن محاولة النظار تحويل الأعيان الجارية بملك الوقف إلى مرصد أو كردار بدون سبب قوي ، ثم إغضاء هذا الديوان عن تحويل الأعيان الموقوفة من الوقف المحض أو لمرصد الكردار إلى الملك الصرف ، ثم تسجيل العقارات الموقوفة على المعابد والمدارس ملكا صرفا للنظار المختلسين إلى غير ذلك من أنواع المواطآت بين ديوان الأوقاف والنظار عليها. وكلها ترجع إلى اختلاس الريع وتغيير الأعيان الموقوفة. وكان ديوان الأوقاف يكتب من حين إلى آخر إلى وزارة الأوقاف في العاصمة بأنه ضبط مدرسة كان بعض الأشرار اتخذها سكنا فأرجعها معبدا تقام فيه الشعائر والصلوات والأوراد والأذكار والأدعية للخليفة الخ.
أما القلب وأعني به مجلس إدارة الأوقاف الأعلى فقد كان على جانب عظيم من الضعف ، وفقا لمقتضيات العهد الحميدي التي يرومها عباد المنافع الخاصة وأعداء المصالح العامة. وإذا كان القلب الذي هو مصدر الحياة ضعيفا بتعفن حجيراته المنبعث عن تغلب الجراثيم الذريعة الفتك ، فكيف تكون حالة شرايين الجثمان وأعضائه ودورة دمه. لا ريب أنها تكون كحال هيكل