الشؤون الدينية في عهد عبد الحميد مسرح الفوضى لتهاونه بالدين ، واكتفائه على الجملة بالتمويه بشعائره الصورية ورسومه الرسمية ، وكان أعوانه يبيعون على مسمع ومرأى منه الوظائف الدينية كالقضاء الشرعي والفتيا والتدريس العام والوعظ والإرشاد. ومن جملة ما يبيعون وظيفة مدير الأوقاف التي كانت تكد وتجد وتبذل الجهد في جباية أموال الأوقاف ، لتبعث بها بعد السلب والنهب والمقاسمة إلى العاصمة ، فيفيض السلطان من هذه الأموال على الدجالين من مشايخ الطرق وعلماء الرسوم والرتب والأوسمة باسم (إحسانات أو صدقات سلطانية ، أو فدية عن عافية ذاته الملوكية) ويكزّ يديه بالصرف على علماء الدين العاملين فساءت لذلك حال أئمة المساجد وخطباء المنابر والسدنة والمؤذنين والواعظين لفرط التقتير عليهم ، حتى انحصرت هذه الأعمال في البائسين والكسالى والزمنى.
تنقسم الأوقاف إلى خيرية وأهلية. وتنقسم الخيرية إلى مضبوطة وملحقة ، تناط الأولى بدائرة الأوقاف مباشرة. وتركت الثانية لنظارها مع احتفاظ ديوان الأوقاف بالنظارة العامة عليها ، وللديوان حق السيطرة على الأوقاف الأهلية ولا سيما إذا كانت مختلطة بالخيرية. وهي تنقسم إلى جلية وخفية. فالأولى من متعلقات الأوقاف الخيرية المضبوطة ، وهي نفقات أرباب الشعائر الدينية والاختلاس منها تافه جدا بالنسبة إلى نفقات تنوير المساجد والمعاهد وابتياع ما يلزم من الأثاث ، وهو أيضا حقير بالنسبة إلى ترميمها وترميم الأعيان الموقوفة عليها. وأما الإنشاء المحدث أو المجدد فلم يكن معهودا في ذاك العهد لأن ديوان الأوقاف يجبي الأموال من الشام ليبعث بها إلى العاصمة.
وبالجملة لم تكن وسائل الاختلاس الجلية شيئا مذكورا قياسا مع الوسائل الخفية وهي عديدة : أولها أن كثيرا من المساجد والمدارس والزاويات (زوايا مشايخ الطرق الصوفية أو المتصوفة) والمعاهد الخيرية كالمستشفيات أو مطاعم الفقراء (التكايا) ونحوها من الأمكنة المضبوطة أوقافها ، سواء كانت مهجورة أو مقفلة الأبواب لكونها في القرى أو في أحياء منزوية عن المدينة ، فكان ديوان الأوقاف يحسب عليها جميع ما تحتاج إليه من النفقات أضعافا مضاعفة ، كما لو كانت عامرة آهلة مفتحة الأبواب ، في حين أنها لا تنفق عليها شيئا