أن تشرع بمحاسبة النظار ، تناقشهم الحساب ، فتبدأ بالأقوياء منهم ، وتغلظ عليهم ، وتكرههم على إبراز كتاب الواقف الأصلي المسجل بحكم الحاكم الخالي من شائباتالتحريف والتبديل ، الحالي بتوقيع أو خاتم القاضي الحاكم بصحته ، فيما إذا فقدت سجلاته ، وأن لا تعتبر الصورة المنقولة عن أصله لأنها عرضة للتحريف والتبديل ، كما يقع ذلك من النظار الخائنين. وإذا أبرز الناظر على وقف كتاب الوقف الأصلي ، يعثر ديوان الأوقاف في الأغلب على موارد أموال غزيرة مختلسة ، وعلى مساجد ومعاهد دارسة ومدارس مندرسة ، كما يعثر عرضا واتفاقا من يحفر بئر ماء على كنز ثمين أو ركاز دفين ، وإذا امتنع الناظر من إظهار كتاب الوقف يستفيد ديوان الأوقاف من اعتبار الوقف من قبيل ما انقطع ثبوته ، واشتبهت مصارفه ، وجهلت شرائطه ، لعدم وجوده في سجلات القضاة ، وما كان كذلك يتحول إلى الإسعاف العام ، ما لم يبرهن المرتزقة على استحقاقهم بإثبات الوقف وشروط الواقف ونسبتهم إليه أو إلى الطائفة الموقوف عليها.
وأرى أن تتخلى المفوضية العليا في بلاد الانتداب الفرنسي عن التدخل بأوقاف المسلمين بواسطة مستشارها الفرنسي المستمد منها نفوذه مباشرة ، فإنه لا فرق بين هذا التدخل وبين التدخل بشؤون الصلاة والزكاة والصيام والحج ، لأن الولاية على الأوقاف الخيرية ولا سيما الدينية المحضة هي من القضايا الشرعية الصرفة ، فلا فرق والحال هذه في الحظر بين إمامة النصراني المسلمين بالصلاة ، وبين ولايته على أوقاف مساجدهم ومعابدهم. وهذا الحظر غير محصور بالإسلام بل هو من ضرورات جميع الديانات. فإن النصرانية مثلا تحظر أن يتعاطى أحبار المسلمين ومشايخهم ما يتعاطاه أساقفة النصارى وقسيسوهم من التعميد والتكليل والتكريس والحرمان والغفران ، كما تحظر ولاية المسلمين الموحدين على أوقاف كنائس النصارى المثلثين وأديارهم ، وهذا سر إحجام الدولة العثمانية المسلمة عن التدخل بأوقاف اليهود والنصارى من رعاياها ، وتركها إدارة أوقافهم والولاية عليها لمجالسهم الطائفية. فالواجب على حكومة الانتداب أن تترك المسلمين في هذه الديار طلقاء التصرف في أوقافهم وتقصر عنايتها على الإرشاد في الشؤون المدنية.