بملك الوقف ، ثم لعبت بها الأيدي ، فانتقلت من ملك الوقف الصرف إلى ملك مختلسها المعتدي الأثيم. أما إذا لم يمض عليها مرور الزمن ، وكانت معلومة الحدود والبقعة ، فيجب حتما على دواوين الأوقاف إقامة الدعوى على المختلس أو ورثته ، كما يجب عليها التنقيب على ما كان من هذا القبيل. والمرجع في الاهتداء هو سجلات المحاكم الشرعية وكتب الواقفين. والواجب على دواوين الأوقاف الإيعاز إلى نظار الأوقاف الأهلية والخيرية الملحقة بإبراز كتب الواقفين فيما إذا لم يعثر عليها بين سجلات المحاكم الشرعية ، وإنذارهم بوضع اليد على الوقف إذا أبطأوا بالإبراز. أما النوع الأول فهو أسهل إنفاذا من العقارات الموقوفة الريع ، لأن ما اختلس من نحو المساجد أو المدارس أو المقابر وانقلب حوانيت أو دورا أو حدائق أو غير ذلك ، وأضحى ملكا صرفا للمختلسين أو ورثتهم أو المبتاعين منهم مطموسة ، لتبدل شكل المدرسة مثلا بعد اختلاسها وطمس معالمها ، فإن كانت آثارها لا تزال قائمة كالقباب والقبور والمحاريب فعلى دائرة الأوقاف التذرع بالوسائل القانونية لإنقاذها من المختلسين ، وإن تبدل شكلها ومحي رسمها ، وجهلت حدودها ، ومضى عليها مرور الزمن ، وانقطع الأمل من إرجاعها فهي برقبة مختلسيها. ومصباح الهداية المنير إلى المعابد والمعاهد المختلسة والمدارس الدارسة والمقابر المندرسة ، هو كتب تواريخ المدن الشامية والرسائل والأسفار الموضوعة في الخطط والآثار.
وما دعا إلى هذا العبث بأعيان الأوقاف وريعها إلا فقدان وازع يزع القائمين بهم ، أو مؤثر أدبي يردعهم ، أو رأي عام يكبح جماحهم ، أو مؤاخذة حكومة تضرب على أيديهم. ولم نسمع ولم نشهد في ربوعنا أن ناظر وقف خائن مختلس عوقب بسجن أو تعزير وتشهير ، أو بتضمين ومصادرة ، بل جل ما شهدناه في عصرنا الحاضر أن الناظر الضعيف إذا ظهر أثناء محاسبته أدنى شبهة أو خيانة ينحى عن العمل ويساق إلى المحكمة الشرعية ، وهي إما أن تحكم بعزله ، وإما أن تبرئ ساحته وهو الأغلب ، لأن مؤثرات الشفاعة والحنان ونحوهما تعمل عملها. وأما الناظر القوي فلا يسأل عما يفعل. وربما أعين على ظلمه وخيانته واختلاسه مع التبجيل والتوقير!.
وإذا كتب لدواوين الأوقاف حظ من التجدد والإصلاح ، فالواجب