هي سموم ناقعة ، لا علوم نافعة ، وأفاعي ملقفة ، لا أقوال مؤلفة ، فاستأصل شأفتها بالتمزيق ، وافعل بها ما يفعله الله بأهلها من التحريق.
ومن تقليد رشيد الوطواط لمحتسب : وأمرناه أن يجعل الزهد شعاره ، والتقوى دثاره والعلم معلمه والدين مناره ، ثم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويقيم حدود الشرع على موجب النصوص والأخبار ، ومقتضى السنن والآثار ، من غير أن يتسور الحيطان ، ويتسلق الجدران ، ويرفع الحجب المسدولة ، ويكسر الأبواب المسدودة ، ويسلط الأوباش على دور المسلمين وحرم المؤمنين ، حتى يغيروا على أموالهم ، ويمدوا الأيدي إلى عوراتهم وأطفالهم ، ويظهروا ما أمر الله بستره وإخفائه ، ونهى عن إشاعته وإفشائه ، فإن عبادة الأوثان خير من ذلك الاحتساب ، والعقوبة الأبدية أولى بمباشره من الأجر والثواب.
وأشار ابن فضل الله في وصية محتسب أن ينظر في الدقيق والجليل ، والكثير والقليل ، وما يحصر بالمقادير وما لا يحصر ، وما لا يؤمر فيه بمعروف أو ينهى عن منكر ، وما يشترى ويباع وليتعرف الأسعار ويستعلم الأخبار ، في كل سوق من غير إعلام لأهله ، ليقيم عليهم من الأمناء من ينوب عنه في النظر ، ويأمره بإعلامه بما أعضل. وقال له : إن النقود قد يكون فيها من الزيف ما لا يظهر إلا بعد طول اللبث ، فليعرض منها على المحك من رأيه ما لا يجوز عليه بهرج ، وما يعلق من الذهب المكسور ويروبص من الفضة ، وما أكلت النار كل لحامه ولا بعضه ويقيم عليه من جهته الرقباء ، وليقم الضمان على العطارين والطرقية في بيع غرائب العقاقير إلا ممن لا يستراب فيه ، وبخط مطبب ماهر لمريض معين في دواء موصوف ، والطرقية وأهل النجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى ساسان ، ومن يأخذ أموال الرجال بالحيلة ويأكلهم باللسان ، ومن وجدته قد غش مسلما ، أو أكل بباطل درهما ، أو أخبر مشتريا بزائد ، أو خرج عن معهود العوائد ، أشهره في البلد ، وغير هؤلاء من فقهاء المكاتب وعالمات النساء وغيرهما ، ومن يقدم على ذلك وارشقهم بسهامك ، وزلزل أقدامهم بإقدامك، ولا تدع منهم إلا من جربت أمانته ، واختبرت صيانته.