ركب مؤلف من جيش صغير مجهز بالأسلحة الكاملة والمدافع الصغيرة ويتبعه الحجاج زرافات ووحدانا. والدمشقيون يقومون بتشييعهم إلى قبر أحمد باشا في الميدان أي إلى جامع العسالي، وتجري المراسم العسكرية والاحتفالات تكريما لهذا الموكب العظيم ، وكانت الحكومة في دمشق تهتم بتشييعه ، ويسير الموظفون وأصحاب الرتب العالية بألبستهم الرسمية أمام المحمل الشريف تحيط بهم صفوف الجند وهجانة البدو حتى نهاية طريق الميدان ، وكانت الموسيقى تصدح أثناء الموكب والمدافع تطلق حين خروجه وعند وصوله إلى القدم والكل فرحون مسرورون من هذا اليوم العظيم.
وبعد ذلك يسير الركب من القدم إلى الكسوة وهناك يجد ماء صالحا للشرب ثم يسير إلى المزيريب فيبقى فيها أربعة أو خمسة أيام وعندئذ يتألف الركب عسكريا وعلى رأسه أمير الحج فيسير قسم من الجيش في المقدمة والقسم الآخر يقوم بحفظ جناحي الركب. وفي كل صباح ومساء تطلق ثلاث طلقات نارية إعلاما بوقت المسير والوقوف وكثيرا ما كان يبلغ طول هذا الركب ثلاثة أو أربعة كيلو مترات. وأما الدرب الذي كان يسير عليه فهو عبارة عن عدة طرق صغيرة حفرتها أيدي الإبل والدواب طول السنين ولا يوجد طريق مرسوم على الطريقة الفنية الحديثة المعروفة اليوم. وكانت المسافة بين دمشق ومكة المكرمة تقدر بأربعمائة وتسعين ساعة وبأربعين مرحلة منها ٩٠ ساعة من المزيريب إلى معان.
ويجتاز الركب من المزيريب إلى المفرق وعين الزرقاء والبلقاء والقطرانة وهنا تشتد صعوبة الدرب ويدب الرعب والخوف في قلوب الحجاج ذلك لأنه كانت المضايق غاصة بعصابات من اللصوص ، والماء الشروب قليل. وكثيرا ما كانت السيول تجرف الركب بأجمعه فلا ينجو منه إلا الحجاج فقط ، فإذا بلغ الركب مدينة معان يستريح فيها قليلا ويتابع سيره فيقطع العقبات المؤدية إلى النفود ، ويبعد هذا المضيق الصعب ثلاث عشرة ساعة عن معان ، وعندئذ يترجل الحجاج عن دوابهم ويسيرون مشاة أمام أمير الحج الذي يصعد على رأس جبل صغير ويجلس مشاهدا الجموع تمر أمامه ، وبعد ذلك يسير لا يشاهد في طريقه سوى رمال سهل النفود القاحل حتى مدائن صالح.