الأساسي فيبقى مستمرا في طريقه نحو الجنوب.
من أهم الفوائد التي جنيت من امتداد هذا الخط أن كثيرا من البدو سكنوا تلك الربوع بالقرب من مخافر الجنود العثمانية وامتلك عدد عظيم من مهاجري الشركس الذين كانوا تائهين في شمالي الشام بعض الأراضي هناك وأسسوا القرى والمزارع فيها. وكل هذا العمل لم يكلف أموالا باهظة بالنسبة لغيره من المشاريع. وكانت القاطرات في نهاية سنة (١٩٠٣) تسير إلى مسافة ٣٠٠ كيلو متر من دمشق وبلغت أكلاف الكيلو متر الوسطي حينئذ ٢٠٠٠ ليرة عثمانية ذهبية. ولما بدأت المنافسة بين السكة الحجازية والسكة الفرنسية شعر السلطان عبد الحميد ومهندسوه بشدة الحاجة إلى اتصال الخط الحجازي بمرفإ بحري يستمد منه لوازمه وأدواته ويكون منفذا للأقطار الواسعة التي سيمتد فيها فقرر إنشاء خط حديدي جديد بين حيفا ودرعا.
والناظر إلى مصور القطر يرى لأول نظرة مكانة خليج عكا فسلسلة الجبال الممتدة من مصب نهر العاصي إلى ترعة السويس وهي بمثابة سد عظيم بين الساحل والداخل وليس فيها سوى بعض منحدرات كسهل طرابلس وبيروت ومصب الليطاني أي القاسمية وخليج عكا. وأعظم هذه المنحدرات وأهمها الانخفاض الواقع قرب عكا. إن سلسلتي لبنان الغربي والشرقي المتوازيتين تحولان لارتفاعهما دون المواصلات مع الداخل. وبالطريق الفنية اتصلت دمشق ببيروت وهكذا الشأن في الانخفاض في جوار بحيرة لوط فإنه يعوق المواصلات مع الداخل أيضا. فلم يبق إذا سوى سهل عكا الذي يسهل المرور منه إلى الداخل. ولذلك كانت عكا وحيفا في العصور القديمة والقرون الوسطى حتى القرن التاسع عشر مرفأين طبيعيين لحوران ودمشق. وقد رأى كثير ممن يعنيهم الأمر وصل دمشق وحيفا بخط حديدي لسهولة هذا الطريق كما بيناه آنفا. وكان الإنكليز أشد الناس رغبة بنيل امتياز هذا الخط وخصوصا بعد احتلالهم جزيرة قبرس. وقد تمكن أبناء سرسق من استصدار منشور سلطاني يمنحهم حق إنشاء خط حديدي بين عكا ـ دمشق. ولكنهم لم ينجحوا في عملهم لتعذر معاونة أرباب الأموال في إنكلترا. فخسروا العربون الذي دفعوه إلى خزينة الدولة وقدره خمسون ألف فرنك.