كان اعتماد الملوك في نقل الأخبار على ثلاثة أمور : البريد وأول من وضعه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان حين استقرت له الخلافة ، فوضع البريد لتسرع إليه الأخبار من جميع أطراف مملكته ، أمر بإحضار رجال من دهاقين الفرس وأهل أعمال الروم وعرفهم ما يريد فوضعوا له البرد واتخذوا له بغالا بأكف كان عليها سفر البريد. وقيل : إن أول من وضع البريد عمر بن الخطاب وإن معاوية أصلحه في سلطانه. ولم يزل البريد قائما حتى آن لبناء الدولة المروانية أن ينقض ، ولما أن أغزى المهدي ابنه هارون الرشيد الروم ، وأحب ألا يزال على علم قريب من خبره رتب ما بينه وبين معسكر ابنه بردا ، كانت تأتيه بأخباره ، وتريه متجددات أيامه ،
فلما قفل الرشيد قطع المهدي تلك البرد ، ثم رتب على عهد الرشيد على ما كان عليه أيام بني أمية ، وجعل البغال في المراكز ، وكان لا يجهز عليه إلا الخليفة أو صاحب الخبر، ثم جاءت أدوار فلم يكن بين الملوك وما يريدون معرفته من الأخبار إلا الرسل على الخيل والإبل. فلما أتت الدولة الزنكية أقامت لهذا النّجابة ، وأعدت لها النجب المنتخبة ، ودام هذا إلى سقوط دولة بني أيوب. ولما تولى الملك الظاهر بيبرس كان أحرص ما يحرص عليه مواصلته بالأخبار ، وما يتجدد من أخبار التتر والفرنج. وقال مرة لكاتب الإنشاء شرف الدين عبد الوهاب : إن قدرت ألّا تبيتني كل ليلة إلا على خبر ، ولا تصبحني إلا على خبر فافعل ، واتخذ لذلك هو ومن بعده مراكز البريد ، تشترى الخيل بمال السلطان ويقام لها السواس والعلوفات. ثم مما يليها خيل البريد المقررة على عربان ذوي إقطاعات عليها خيول موظفة تحضر في هلال كل شهر إلى كل مركز أصحاب النوبة فيه بالخيل ، فإذا انسلخ الشهر جاء غيرهم ، وهم لهذا يسمون خيل الشهارة ، وعلى الشهارة وال من قبل السلطان ، يستعرض في رأس كل شهر خيل أصحاب النوبة فيه ، ويدوغها بالداغ السلطاني. وقد جعلوا لها مراكز ومحطات وبنوا عليها خانات وفنادق ومساجد في كل طرف من أطراف المملكة.
هذا ما كان من أمر البريد وأنشأوا في الموصل حمام الزاجل ، فاقتبسه