صلاح الدين سائلا إذا قذف به على الصقالات التي توضع لرمي المنجنيقات تشعلها لحينها، فكان الصليبيون منها في مصيبة. وأهم سلاح عندهم للمهاجمة السيف والرمح وللدفاع الدرع.
ومما كانوا يتقون به مداهمة العدو أن يضعوا مما يلي البلدان من حد الشرق رجالا لتحرق زرعها ونباتها ، وهي أراض مخصبة كانت تقوم بكفاية خيل القوم مرعى ، فكانت تحرق إضعافا لهم ، وإقعادا لحركاتهم ، إذ كانوا من عادتهم أنهم لا يتكلفون علوفة لخيلهم بل يكلونها إلى ما تنبت الأرض ، فإذا كانت أرضا مخصبة سلكوها ، وإذا كانت مجدبة تجنبوها ، وكانوا لا يفطنون لتقصد حريقها ثم فطنوا ، فصاروا يربطون عليها الطرق ويمسكون منها بالأطراف ، وكان ينفق في هذه المحرقات في كل سنة من الخزانة بدمشق جمل من الأموال ، ويجهز فيها أجلاد الرجال. وكان شأنهم في الإحراق استصحاب الثعالب الوحشية والكلاب المنفرة ، ثم يكمن المجهزون لذلك عند أمناء النصاح في كهوف الجبال وبطون الأودية ، وتمضي الأيام حتى يكون يوم ريحه عاصف ، وهواؤه زعزع ، وتعلق النار موثوقة في أذناب الثعالب والكلاب ، ثم تطلق الثعالب والكلاب في أثرها ، وقد جوّعت فتجدّ الثعالب في الهرب ، والكلاب في الطلب ، فتحرق ما مرت به وتعلو الريح النار منه فيما جاوره. هذا إلى ما كانت تلقيه الرجال بأيديها في الليالي المظلمة ، وعشايا الأيام المعتمة. روى ذلك جميعه ابن فضل الله.
واستعمل الملوك والأمراء النشاب للتسلية وإظهار الشجاعة ومعرفة أساليب الرماية ، فإذا رموا أصموا ، وإذا أفضلوا بالغوا ، وقد استعمل الأمين لقتال عساكر أخيه المأمون نصول النشاب من خالص الذهب ونقش عليها هذين البيتين :
ومن جودنا نرمي العداة بأسهم |
|
من الذهب الإبريز صيغت نصولها |
يداوي بها المجروح منها جراحه |
|
ويشري بها الأكفان منها قتيلها |
واستعمل ذلك كثير من الملوك ومنهم السلطان أحمد بن الملك الناصر ابن محمد بن قلاوون ، وكان يجلس كل يوم بين شراريف قلعة الكرك وهو محصور ويرمي سبعة سهام صيغت نصولها من فضة موشاة بذهب وقد نقش عليها هذان البيتان.