يعرف علم التعبية والمصافات ولا يغفل يوما عن تقوية جسمه بالرياضة البدنية ولا سيما لعب الكرة والجريد والصيد والقنص ليستعين بذلك على القتال. وكان أول اتصال صلاح الدين بنور الدين تفوق صلاح الدين بلعب الكرة. وقد ألف صلاح الدين بين القلوب وجمعها على المقصد الذي أراد حتى لا يشعر المرء في جيشه باختلاف في العادات والمنازع.
وارتقى فن الحرب في الدولتين النورية والصلاحية بين الشاميين. والحرب تعلم في الحرب. والجيش الذي يقوده قائد كنور الدين بنفسه مستعينا بمشاهير قواده ثم يقوده صلاح الدين بنفسه ومشاهير قواده مكتوب له الظفر لا محالة. وكان الجند موسعا عليه كل التوسعة ، وهو على قلة عدده بالنسبة لجيوش الصليبيين منصور في أكثر الوقائع. وكانت نسبته نسبة واحد من المسلمين إلى أربعة من الصليبيين كما كان يوم حطين. والفرنجي يلبس زرد الحديد من فرقه إلى قدمه ، وقد لا يقتل إلا إذا جدّل حصانه ، والشاميون مخفون من السلاح. وكان اعتماد الفريقين على النشاب والنبال يقف جمازة في حومة الوغى يأخذ منها من خلت جعابه والسلطان بنفسه يصف الأطلاب ويجهز أبدا جيشه ويعلمه للبيكار والجمازة من آلات المحامل والأطلاب الكتائب والبيكار الحملة أو الحرب. والجندي الغازي موفور الكرامة والقواد عند السلطان كإخوته وأشقائه وأولاده والأموال دارة على الجميع كما قال عبد المنعم الجلياني شاعر صلاح الدين :
إن الملوك الذين امتدّ أمرهم |
|
لم يخزنوا المال بل مهما حووا بذلوا |
كذا السياسة فالأجناد لو علموا |
|
بخل الملوك وجاءت شدة خذلوا |
ذكر ياقوت أن الملك العزيز صاحب حلب كان طول مملكته من الشرق إلى الغرب مسيرة خمسة أيام ومثلها من الجنوب إلى الشمال. وفيها ثمانمائة ونيف وعشرون قرية كانت تقوم برزق خمسة آلاف فارس مزاحي العلة موسع عليهم ، وفيها من الطواشية المفاريد ما يزيد على ألف فارس ، يحصل للواحد منهم في العام من عشرة آلاف درهم إلى خمسة عشر ألف درهم وفي أعمالها إحدى وعشرون قلعة يقام بذخائرها وأرزاق مستحفظيها.
وكان جيش المماليك (البحرية والبرجية) قوتهم الوحيدة إذا أحسنوا