صف يبلغ ٣٧٥ عمودا ارتفاع كل منها ١٧ مترا وقد تهدم معظمها فلم يسلم منها سوى ١٥٠ عمودا. ويخترق هذا الشارع من منتصفه شارع آخر على شاكلته وعند ملتقاهما يؤلفان مصلبا وكان على مقربة منه تمثالا أذينة وزنوبيا. وفي منتصف كل عمود ركيزة قامت عليها تماثيل مشاهير حكامها والصالحين من رعيتها. ولم يزل مدخلها المدينة الشرقي قائما وله منظر رائع ومرأى جميل. وما خلا ذلك من الأنقاض المتراكمة الباقية والأعمدة والأحجار المنحوتة مبعثر مشتت عرف بفضلها أصحاب الهندسة تخطيط أبنية المدينة وهندسة شوارعها وأزقتها.
إن قبور تدمر مبعثرة حول البلدة ومعظمها في الجهة الغربية في واد يعرف بوادي القبور لكثرتها فيه. وهي على نوعين : منها ما هو قائم على شكل أبراج مربعة في ثلاث أو أربع طبقات منقسمة حجرا وفي جدرانها القبور. والنوع الثاني كهوف نقرت في الصخر على سفح الجبل وهي ذات إيوانين أو ثلاثة ، ومن القبور ما هو في الجدر ومنها ما هو على شكل النواويس ويختلف عدد القبور في كل مدفن بين العشرين والسبعين وهو ملك أسرة واحدة أو أكثر. وكان لأبناء الأسر في تدمر عناية خاصة بمدافنهم يتنافسون بإتقانها وزخرفتها ومنها ما هو أشبه بقصور منها بقبور. وكل هذه العناية لحرصهم على راحتهم في دار البقاء كما تنص على ذلك رقمهم القبرية اه.
أقام الرومان بين دمشق وتدمر إلى الفرات اثنين وخمسين حصنا أو قلعة. يبعد كل منها عن الآخر ثلاث ساعات. ولا شك في أن الحرس الروماني كان في بعضها. وبنى الرومان عدة حصون على الطريق الممتد بين بصرى ودمشق ليأمنوا عيث البادية وطريقا من صرخد إلى البصرة وطرقا من حوران إلى البلقاء إلى عقبة أيلة وما إليها ، وكان ذلك في أيام عظمتهم. قال أحد علماء الهندسة من الفرنج : إن الرومان لما أصبحوا سادة الأرض وأمسى معهم جميع الشعوب بمثابة العبيد عدلوا وهم في أوج عزهم عن أعمال في العمران كان فيها عزهم ونجاحهم واستسلموا إلى الكسل وإضاعة الأوقات.
وبعد أن فتحت زينب أو زنوبيا سلطانة تدمر المشهورة القطر المصري عمرت الأبنية التي جلبت إليها الأمم من أقطار الأرض ولا سيما اليونان.