ويصدق على قلعة بعلبك في الوصف ما قاله عبد اللطيف البغدادي في أهرام مصر : إنها صبرت على ممر الأزمان بل على ممرها صبر الزمان. فإنك إذا تبحرتها وجدت الأذهان الشريفة قد استهلكت فيها ، والعقول الصافية قد أفرغت عليها مجهودها ، والأنفس النيرة قد أفاضت عليها أشرف ما عندها لها ، والملكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل مثلا هي غاية إحكامها حتى إنها تكاد تحدث عن قومها وتخبر بجمالهم وتنطق عن علومهم وأذهانهم وتترجم عن سيرهم وأخبارهم. أو ما قاله في يرابي مصر : فالحكاية عن عظمها وإتقان صنعتها وإحكام صورها وعجائب ما فيها من الأشكال والنقوش والتصاوير والخطوط مع إحكام البناء وجفاء الآلات والأحجار مما يفوت الحصر. ومن أجمل ما وصفت به خرائب بعلبك قول صديقنا خليل مطران من قصيدة :
خرب حارت البرية فيها |
|
فتنة السامعين والنظار |
معجزات من البناء كبار |
|
لأناس ملء الزمان كبار |
ألبستها الشموس تفويف در |
|
وعقيق على رداء نضار |
وتحلت من الليالي بشاما |
|
ت كتنقيط عنبر في بهار |
وسقاها الندى رشاش دموع |
|
شربتها ظوامئ الأنوار |
زادها الشيب حرمة وجلالا |
|
توجتها به يد الأعصار |
رب شيب أتم حسنا وأولى |
|
واهن العزم صولة الجبار |
معبد للأسرار قام ولكن |
|
صنعه كان أعظم الأسرار |
مثل القوم كل شيء عجيب |
|
فيه تمثيل حكمة واقتدار |
صنعوا من جماده ثمرا يج |
|
نى ولكن بالعقل والأبصار |
وضروبا من كل زهر أنيق |
|
لم تفتها نضارة الأزهار |
وشموسا مضيئة وشعاعا |
|
باهرات لكنها من حجار |
وطيورا ذواهبا آيبات |
|
خالدات الغدو والإبكار |
في جنان معلقات زواه |
|
بصنوف النجوم والأنوار |
وأسودا يخشى التحفز منها |
|
ويروع السكوت كالتزآر |
عابسات الوجوه غير غضاب |
|
باديات الأنياب غير ضواري |