وتصويرهم يدل على ما كان هناك من ذوق سليم ، ويد صناع. وهندسة الجامع الأموي والمسجد الأقصى مقتبسة من الهندسة اليونانية وممزوجة بأشياء إسلامية.
بعث ملك الروم إلى الوليد كثيرا من البنائين والمقدّرين أي المهندسين مع ما بعث إليه من المفصص أي الفسيفساء والذهب قال المقدسي : إن الوليد جمع لبناء الجامع الأموي حذّاق فارس والهند والمغرب والروم. وروى ابن شداد : أن الوليد اقتلع من كنيسة أنطاكية عمدا عجيبة من المرمر والرخام لمسجد دمشق حملت في البحر إلى ساحلها. ولما كان البناء من صنع بنائين مختلفين ساغ أن نقول : إنه جمع أجمل ما في الهند وفارس وآثينة ورومية. أما طرز البناء فالغالب أن بعض الجدر بقيت بحالها كما كانت يوم كونها بيعة أو معبدا للصائبة. ومساجد الشام ومصر مبنية على شكل الكنائس التي قال المؤرخ أو سابيوس : إنها ذات أفنية وأواوين وفساقي ومساكن للقسس.
ولقد بلغ من تفنن الوليد بزخزفة الجامع الأموي ونقشه وتصويره ما يعجب منه ولا يكاد يكون له نظير في هذه الديار فقد قال ابن كثير : إن أرض الجامع الأموي كانت مفصصة كلها وإن الرخام كان في جدرانه إلى قامات وفوق ذلك كرمة عظيمة من ذهب وفوقها الفصوص المذهبة والخضر والحمر والزرق والبيض وسقفه مقرنص بالذهب والسلاسل المعلقة فيه من ذهب وفضة. وقد أنفق فيه خراج الشام سنتين وفي رواية أربعمائة صندوق كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار. وكان خراج الشام على عهد بني أمية ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار. وذكر بعضهم أن الوليد أخذ ربع أعطيات أهل دمشق تسع سنين وكانوا خمسة وأربعين ألفا يستعين بها على عمارة جامع دمشق. قال المقدسي : والجامع جامع دمشق أحسن شيء للمسلمين اليوم ولا يعلم لهم مال مجتمع أكثر منه ومن أعجب شيء فيه تأليف الرخام المجزع كل شامة إلى أختها ، ولو أن رجلا من أهل الحكمة اختلف إليه سنة لأفاد كل يوم صنعة.
دخل المأمون مرة جامع دمشق ومعه أخوه المعتصم ويحيى بن أكثم فازدادوا عجبا قال المأمون لهما : أي شيء يعجبكما من هذا المسجد فقال المعتصم :