سوداء منحوتة تنوف على مائتي ألف دار (كذا) كل دار منفردة عن الأخرى لا يلاصقها جدر أخرى ، وكل دار فيها حوش وبئر وله باب من حجر إذا أغلق ووضع خلفه حصاة لا يمكن فتحه أبدا من الخارج. ولكننا على مثل اليقين من أن طرز البناء في دمشق هو كما كان منذ بضعة قرون بل منذ دخول العرب الفاتحين وقبلهم بعصور ، وأن هذا الطراز في بناء بيوت دمشق خلاصة أسلوب قديم ارتقى مع الزمن حتى بلغ ما بلغ في القرون الأخيرة ومنه مثال حي من المدارس والرّبط وغيرها في دمشق.
قال أحد المهندسين المعاصرين : إن التشابه مؤثر بين هندسة دار قديمة ودار عربية ، فقد كانت الدور تشاد ولا تجعل لها نافذة على الشارع ، ويكتفى بطيقان للتهوية ، ولها فناء داخلي تحف به غرف ومخادع وفي وسط الفناء أو الصحن فوارة أو حوض ماء. لا جرم أن المسلمين قد أخذوا عن الرومان هذا الطراز في البناء الذي ينطبق مع هذا على مناخ البحر المتوسط ، ولا نزال نجد فيه مثالا في الأندلس حيث يسمى الفناء الداخلي باسم «باتنو» أو الفناء المبلط.
وكانت دمشق تعتمد في أبنيتها على الحجر غالبا. وزاد الاعتماد على الخشب والطين في الأدوار الأخيرة. قال المقدسي : إن منازل دمشق ضيقة وأزقتها غامة ، وأكثر أسواقها مغطاة ، ولهم سوق على طول البلد مكشوف ، لا ترى أحسن من حماماتها ، ولا أعجب من فواراتها. هذا في القرن الرابع للهجرة. وقال ابن جبير في القرن السادس : إن أكثر أبنيتها بالقصب والطين. وقال ابن فضل الله في الثامن : إن غالب بناء دمشق بالحجر ودورها أصغر مقادير من دور مصر ، لكنها أكثر زخرفة منها ، وإن كان الرخام بها أقلّ ، وإنما هو أحسن أنواعا. قال : وعناية أهل دمشق بالمباني كثيرة ولهم في بساتينهم منها ما تفوق به وتحسن بأوضاعه ، وإن كانت حلب أجل بناء لعنايتهم بالحجر ، فدمشق أزين وأكثر رونقا لتحكم الماء على مدينتها ، وتسليطه على جميع نواحيها ، ويستعمل في عمارتها خشب الحور بدلا من خشب النخل ، إلا أنه لا يغشى بالبياض ويكتفى بحسن ظاهره ، وأشرف دورها ما قرب ، وأجل حاضرتها ما هو في جانبها اه.