الآخر. ولما غلبت الدولة العثمانية في الشام وانهزم جيشها واستسلم أكثره ولم يتمكن من الثبات أمام قوى الحلفاء الجديدة فانحل الجيش بالطبيعة.
وقد رأى هذا القطر مدة الحرب العالمية الأخيرة جيوشا من الترك والأكراد والألمان والمجر والنمسويين والبوهيميين وغيرهم كما رأى بعد انحلال العثمانية جيوشا من البريطانيين والكناديين والأوستراليين والهنود والفرنسيين والجزائريين والمراكشيين والهنود الصينيين والسنغاليين والسودانيين. وبالجملة رأى جنودا من معظم المستعمرات الخاضعة لبريطانيا وفرنسا فأشبه تبلبل الألسنة في الشام تبلبلها فيه على عهد الحروب الصليبية والمغولية.
ولما أسست الحكومة العربية في المدن الأربع وأعمالها أخذوا يجندون جنودا عربية مأجورة من أهل هذه الديار ثم شرعوا بالتجنيد الإجباري أشهرا قليلة ريثما دخلت فرقة الجنرالين غوابيه ودي لاموط إلى دمشق وحلب وسقطت المملكة في يد الحكومة الفرنسية المنتدبة وفضّ الجيش العربي وصفي. وكان بضعة ألوف مسجلة على الورق. ثم أخذت فرنسا بتأليف جيش مختلط من السوريين والفرنسيين أشبه بالدرك وذلك في الأصقاع الواقعة تحت انتدابها وأبقت فرنسا فرقا من جندها في الولايات التي انتدبت للإشراف عليها ، كما جعلت بريطانيا العظمى في فلسطين اعتمادها على جيشها. وفي الشرق العربي على جيش صغير من الأهلين يعاونه الجيش البريطاني المرابط في فلسطين عند الاقتضاء. وفي ثورة سنة (١٣٤٤) جندت الدولة المنتدبة كتائب من المتطوعة سمتهم الأنصار وكانت جمهرتهم من الشركس والأرمن والإسماعيلية فلقي الأهلون من سوء تربيتهم وقلة نظامهم واعتدائهم على الأبرياء ما أنسى ذكر الإنكشارية. وكانت حجة الحكومة أنها اصطنعت أشقياء لقتال أشقياء. وجعل لبنان كتيبة له من الجند سماها القناصة وهم أشبه بالدرك والشحنة. وربت فرنسا الدرك فأحسنت تربيته وهو من خير أدوات الحكومة في سورية ولبنان ودونه الشرطة المستعملة للهيمنة على الأمن في المدن فإن هذا لم تفلح بتربيته على ما يجب.