جندي في ثلاثة أيام. ومن الجيوش التي رأتها الشام وكانت بالنسبة للجيوش التركية تراعي النظام جيوش مصر مدة حكم إبراهيم باشا ابن محمد علي الكبير فكانت مؤلفة من المصريين والأرناءود والهوارة والهنادي من عرب مصر وكلهم يدربهم ضباط ماهرون وكان في رأس القواد بعض ضباط أجانب من الفرنسيين.
ولما انتشر نظام الجند الجديد ضاقت صدور الناس بالجندية لأنها لم تكن آخذة بأسباب الراحة ولأن الأخلاق الحربية أوشكت أن تزول لطول العهد بها ولا سيما من سكان المدن. على أن سكان البادية كانوا يعفون من هذه الخدمة. والسبب في ذلك أن أمراءهم لم يكونوا من جنسهم فكانت اللغة من جهة والشدة والتقتير عليهم من أخرى من الحوائل دون امتيازهم بالصفات الحربية وإيثارهم التفلت من الجندية إن أمكن.
ولقد أخرجت المدرسة العسكرية في دمشق مدة نصف قرن مئات من الضباط من أبناء الشام خدموا الدولة خدمة صادقة. وكان منهم نبغاء لم يقصروا عن أرقى العناصر العثمانية علما وذكاء ومضاء. ويقال على الجملة : إن هذه الديار في الدور العثماني كانت بعسكرها والحامية الإنكشارية أولا ثم الحامية النظامية آخرا أشبه بمعسكرات عظيمة ، يعمل فريق عظيم من الناس لخدمة الجيش. وكانت رواتب الضباط وجرايات الجنود تخف جدا وكذلك علف الدواب فيسدون العجز بطرق مخزية. ومع عدم العناية بمأكل الجند وملبسه كانوا يوم الغارة أسودا خصوصا إذا حسنت قيادتهم ، لأن الشباب كانوا يتدربون على الصراع والمسايفة والرماية والألعاب الرياضية بجملتها ، فإذا كانت الحرب أو اقتضت الحال الغارة على فريق أو دفع صولة صائل استطاعوا أن يستعملوا السلاح ويحسنوا الطعن والضرب أول تجنيدهم.
وكانت أنظمة العثمانيين الأخيرة محتذاة من أنظمة الجيش الألماني والفرنسي ولنا أن نقول بعد هذا : إنه ليس من أوضاعنا ما شابهنا فيه الأوربيين مدة حكم العثمانيين سوى الجيش. جندت الدولة العثمانية في الحرب العامة نحو ربع مليون من الشام أو سبعا وعشرين قرعة ويمكن أن يقال على الجملة : إنه حارب ربعهم وهلك ربعهم واستخدم ربع في خدم خفيفة وهرب الربع