فاحترقت كلها وهم أي الروم أول من أخرج النار وصارت لهم عادة. وقد كان المسلمون في خطب جلل من هذه النار في البحار وهي الصواريخ وكانت إذا أصابت المراكب لا تطفأ بالماء بل تطفأ بالتراب الندي أو الرمل ومخترعها كالينكوس من أهل بعلبك لجأ إلى الروم سنة (٦٧٣ م) فعلمهم هذا التركيب الذي كان له في الحروب البحرية أهاويل.
وممن غزا في أيام معاوية في البحر بسر بن أبي أرطاة وفضالة بن عبيد الأنصاري. وفي سنة (٤٩) كانت غزوة يزيد بن شجرة الرّهاوي في البحر فشتى بأهل الشام. وغزا في البحر أيضا عمرو بن يزيد الجهني (٥٨). وروى المنبجي أن معاوية بن أبي سفيان استعد لقصد القسطنطينية في السنة التاسعة لعثمان والرابعة والثلاثين للعرب ، وأعدّ سفنا كثيرة في مدينة طرابلس على ساحل البحر ، وحمل من السلاح أمرا عظيما ، وأن الروم أحرقوا سفن العرب فبعث معاوية بجيش من البر ففتح قسما من ديارهم وسبى من أهلها مئة ألف نفس. ثم جاء ملك الروم في سفن كثيرة من البحر فلما التقى الجمعان كانت الهزيمة على الروم ، وكاد ملكهم أن يغرق ، وتخلص بعد أن قتل من الروم خلق كثير حتى صار البحر دما ، ورجع العرب بغلبة كبيرة.
وفي هذا برهان جلي على العظمة التي بلغها الأسطول العربي بسرعة ، وما أحرق منه في طرابلس لم يؤثر فيه لأن الصناعة كانت أيضا في عكا وصور وربما في غيرهما من ساحل الشام ، ومن عكا ركب معاوية البحر لغزو قبرس ، وبعد أن أحرق الروميان اللذان كانا في خدمة الأسطول في طرابلس أسطول هذه الفرضة البحرية بأجمعه ، أصبح من المتعذر على معاوية أن يأمن على أساطيله من كان ائتمنهم ، وهل أنباط النصارى في رأي بعضهم ، ممن جعلتهم العرب ربابنة سفنهم ونواتيهم في مراكبهم الحربية ، والغالب أن العرب تعلموا ثقافة البحر من سكان ساحل الشام ثم اعتمدوا على أنفسهم شأنهم في كثير من مقومات مدنيتهم.
ومع هذا كان أكثر البحرية والذين يتكفلون بغزو الروم من أهل الإسلام وكان الروم معهم ولا سيما في القرون الثلاثة الأولى للهجرة في أمر مريج.