الجهني في البحر وأمره أن يتوجه إلى أرواد. وفتح هذه الجزيرة جنادة بن أبي أمية فنزلها المسلمون واتخذوا بها أموالا ومواشي يرعونها حولها ، فإذا أمسوا أدخلوها الحصن. ولهم ناطور يحذرهم ما في البحر ممن يريدهم بكيد ، فكانوا على حذر منهم ، وكانوا أشد شيء على الروم يعترضونهم في البحر فيقطعون سفنهم. وكان معاوية يدرّ لهم الأرزاق والعطاء ، والعدو يخافهم. فلما مات معاوية أقفلهم يزيد بن معاوية. وجنادة بن أبي أمية الأزدي من صحابة الشام كان على غزو الروم في البحر لمعاوية زمن عثمان إلى أيام يزيد إلا ما كان من أيام الفتنة فتنة علي ومعاوية وشتى في البحر سنة (٥٩).
وبذلك عرفنا أن معاوية أدرك بصائب رأيه أن سواحل الشام بل الشام لا ينجيها من غزوات الروم إلا إيجاد أسطول عربي يغزو سواحلهم الحين بعد الحين. وإلا تعذرت المحافظة على السواحل وبطلت التجارات. وكان المسلمون قبل ذلك على خطر أبدا يتخطفهم أعداؤهم من عقر دارهم ، ويطردونهم حتى في أرضهم ويحملونهم أسرى يبيعونهم بيع الإماء والرقيق. أي أن الروم يغزون الشام إذا لم يغزهم أهله فحاول معاوية أن يقنع الخليفة الثاني فتحامى هذا الإذن بركوب البحر خوفا على المسلمين ، متأثرا مما أصابهم يوم غزوة البحرين ، ولأنه لم ير ما رآه عامله في الشام من الخطر الذي يدهم القطر إن لم تتواز قوته البحرية بقوته البرية.
قال محبوب المنبجي : وفي السنة الثالثة لعثمان ركب معاوية البحر وصار إلى قبرس فافتتحها وكان معه ألف وسبعمائة سفينة مملوءة سلاحا وأموالا فسبى منها ومن الجزائر المطيفة بها خلقا من الناس ، ونزل على جزيرة أرواد (رودس) ولم يصل إليها ، وفي الربيع رجع في جيوش أعظم وأكثر من الأولى فنزل عليها وضيق عليهم جدا ، فلما رأى أهل أرواد الشدة التي هم فيها والعساكر التي أظلتهم طلبوا الأمان على أن يخرجوا إلى سورية ويسكنوا حيث شاءوا ووفى لهم معاوية بن أبي سفيان وخرجوا منها فأمر بهدم سورها فهدم وأحرق.
وذكر المنبجي أيضا أنه في السنة الرابعة عشرة لمعاوية غزت العرب الروم في لوقية ، فلما توسطوا البحر لحقهم بعض الروم في سفينة فألقى النار في السفن