ولم يزل رأيه والذي يشير به على من ولي هذا الأمر من أهل بيته توفير هذا الخمس على أهله فكانوا لا يفعلون ذلك ، فلما ولي الخلافة نظر فيه فوضعه مواضعه الخمسة ، وآثر به أهل الحاجة من الأخماس حيث كانوا ، فإن كانت الحاجة سواء وسع في ذلك بقدر ما يبلغ الخمس ، وإنه ربما أعطى المال من يستألف على الإسلام وإنه أعطى بطريقا ألف دينار استألفه على الإسلام. وأمر أن لا يؤخذ من المعادن الخمس ، وتؤخذ منها الصدقة ، وأنكر التسخير في سلطانه ، وضرب أحدهم أربعين سوطا لأنه سخر دواب النبط. ومما كتبه إلى أحد عماله : أما بعد فخل بين أهل الأرض وبين مبيع ما في أيديهم من أرض الخراج ، فإنهم إنما يبيعون فيء المسلمين والجزية الراتبة. وكتب بإباحة الجزائر وقال : إنما هو شيء أنبته الله فليس أحد أحق به من أحد.
دخل عامل لعمر بن عبد العزيز عليه فقال : كم جمعت من الصدقة فقال : كذا وكذا قال : فكم جمع الذي كان قبلك قال كذا وكذا فسمى شيئا كثيرا من ذلك فقال عمر : من أين ذاك قال : يا أمير المؤمنين إنه كان يؤخذ من الفرس دينار ومن الخادم دينار ومن الفدان خمسة دراهم وإنك طرحت ذلك كله قال : لا والله ما ألقيته ولكن الله ألقاه. وكتب : إني ظننت أن جعل العمال على الجسور والمعابر أن يأخذوا الصدقة على وجهها فتعدى عمال السوء ما أمروا به. وقد رأيت ان أجعل في كل مدينة رجلا يأخذ الزكاة من أهلها فخلوا سبيل الناس في الجسور والمعابر. وكتب إلى عامله أن لا تقاتلن حصنا من حصون الروم ولا جماعة من جماعاتهم حتى تدعوهم إلى الإسلام ، فإن قبلوا فاكفف عنهم ، وإن أبوا فالجزية فإن أبوا فانبذ إليهم على سواء.
وفي عهد عمر بن عبد العزيز وقد أصبحت عادة للخلفاء «إذا جاءتهم جبايات الأمصار والآفاق يأتيهم مع كل جباية عشرة رجال من وجوه الناس وأجنادها فلا يدخل بيت المال من الجباية دينار ولا درهم حتى يحلف الوفد بالله الذي لا إله إلا هو ما فيها دينار ولا درهم إلا أخذ بحقه ، وأنه فضل أعطيات أهل البلد من المقاتلة والذرية ، بعد أن أخذ كل ذي حق حقه»