وقال ابن القيم أيضا عند كلامه على الحيل الجديدة في مسائل الوقف : ومن الحيل الباطلة تحيلهم على إيجار الوقف مائة سنة مثلا ، وقد شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من سنتين أو ثلاثا ، فيؤجر المدة الطويلة في عقود متفرقة في مجلس واحد ، وهذه الحيلة باطلة قطعا ، فإنه إنما قصد بذلك دفع المفاسد المترتبة على طول الإجارة فإنها مفاسد كثيرة جدا ، وكم قد ملك من الوقوف بهذه الطرق ، وخرج عن الوقفية بطول المدة ، واستيلاء المستأجر فيها على الوقف هو وذريته وورثته سنين بعد سنين ، وكم فات البطون اللواحق من منفعة الوقف بالإيجار الطويل ، وكم أوجر الوقف بدون إجارة مثله لطول المدة وقبض الأجرة ، وكم زادت أجرة الأرض أو العقار أضعاف ما كانت ، ولم يتمكن الموقوف عليه من استيفائها. إلى أن قال : اللهم إلا أن يكون فيه مصلحة الوقف بأن يخرب ويتعطل نفعه فتدعو الحاجة إلى إيجاره مدة طويلة يعمر فيها بتلك الأجرة ، فهنا يتعين مخالفة شرط الواقف تصحيحا لوقفه ، واستمرارا لصدقته ، وقد يكون هذا خيرا من بيعه والاستبدال به ، وقد يكون البيع والاستبدال خيرا من الإجارة اه.
وبهذا النقل رأيت أن الوقف يصح بيعه واستبداله إذا كان هناك مصلحة ، وأن تلاعب المتلاعبين أدى إلى تبدل الأوقاف وجعلها حرة تباع وتشرى منذ المئة الثامنة أو من قرن قبله ، ولو لا ذلك لأصبحت الشام إلا جزءا قليلا منها أوقافا بمرور الأيام ، ووقفت بالوقف حركة العمران وقوفا هو الجمود بعينه ، وفي الجمود الموت والفناء. ولكن المولى تعالى أرفق من أن يسلب منافع الأرض مخلوقاته ، ويجعلها خاصة بفئة معينة لا تنقطع عنهم مادتها ، ولو لا ذلك لكان ابن الغني غنيا على الدهر ، وابن الفقير كذلك ، ولبطل هذا النظام الطبيعي الذي لا تقوى القوانين على تغييره.
قالوا : إن الأمير جكم العرضي (٨١٠) الذي تسلطن بحلب والشام أخرب غالب الديار الشامية ، وأخرج أوقاف الناس في الشام وفرقها إقطاعات بمثالات على جماعته. وأخرج الملك شيخ الأوقاف بدمشق وجعلها إقطاعات وفرقها بمثالات على عسكره. وفي أيام الناصر فرج خرجت غالب أوقاف الناس في البلاد الشامية والحلبية. فاستدللنا بذلك أن الأوقاف لم تلزم حالة