ثمّ أنه قد رغب الناس في دفن موتاهم بالبقيع بعد دفن إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو ما صرّح به خبر أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه : انّه لمّا توفّي إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أمر أن يدفن عند عثمان بن مظعون ، فرغب الناس في البقيع ، وقطعوا الشجر ، واختارت كلّ قبيلة ناحية ، فمن هناك عرفت كلّ قبيلة مقابرها (١) ، وأصبح البقيع الغرقد مدفن أهل المدينة (٢).
ومن هنا يعلم عدم صحة القول بوقفية أرض البقيع ، اذ الوقف فرع الملكية ، وهي منتفية ، فبناء على ذلك فهي باقية على الإباحة الأصلية ، فدعوى تسبيل البقيع مرفوضة بالشواهد المتقنة التاريخية والروائية عند كافة المسلمين ، أضف إلى ذلك أن أهل البيت عليهمالسلام دفنوا في بيت عقيل ، فما بادرت به شرذمة من الناس من هدم القبة فهو تصرف عدواني في ملك الغير.
ثم أنهم وصفوا أرض البقيع بكونها رخوة (٣) سبخة (٤) ، ولازال الأمر كذلك.
لا ريب أنّ للمكان أثراً خاصاً ، وله ميزات وخصوصيات تميزه عن ما سواه.
إن بقيع الغرقد اكتسب فضيلة خاصة ، وذلك ببركة قدوم النبي الأعظم وسائر المعصومين إليه ، ودفن أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، وسائر الأولياء والصلحاء والشهداء والمؤمنين ، اذ شرف المكان بالمكين ، ونذكر بعض الأخبار في ذلك :
روى الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه باسناده عن أبي حجر الأسلمي عن
__________________
(١) تاريخ المدينة المنورة ١ / ١٢١.
(٢) المجموع ٥ / ١٣٤.
(٣) مستند الشيعة ، النراقي ٣ / ٢٧٠.
(٤) بدائع الصنائع ، أبو بكر بن مسعود الكاشاني ١ / ٣١٩.