وأما المسافرة فإن كان سفرها بغير إذنه في غير واجب فهي ناشزة لا تستحق قسمة ، وإن كان واجبا مضيقا كالحج الواجب بالأصل والنذر المعين فظاهرهم أنه لا يسقط حقها بل يجب القضاء لها بعد الرجوع ، ولو كان السفر بإذنه في غرض لها غير الواجب أو الواجب الموسع فهل تستحق قسمة أم لا؟ قولان : أولهما للعلامة في التحرير ، وثانيهما له في القواعد. ووجه الأول أنه بالإذن لها وإن فات حقه ، إلا أن حقها باق فيجب القسم لها ، ووجه الثاني فوات التمكين والاستمتاع المستحق عليها لأجل مصلحتها ، والاذن إنما يؤثر في سقوط الإثم عنها ، وفوات التسليم المستحق عليها ، وإن كان بسبب غير مأثوم فيه ، لكنه يوجب سقوط ما يقابله وهو القسم ، كما إذا فات تسليم المبيع قبل القبض بسبب تعذر التسليم فيه ، فإنه يسقط تسليم الثمن ، وحيث يحكم بالوجوب في هذه المواضع أو عدم الوجوب ، فالمراد وجوب القضاء وعدم وجوبه ، وظاهره في المسالك التوقف هنا حيث اقتصر على نقل القولين المذكورين والوجه فيهما ولم يرجح شيئا ، ولم أقف في هذا الموضع على شيء من النصوص إلا أن جملة من الأحكام المذكورة في المقام مما تقتضيه القواعد الشرعية والضوابط المرعية.
المقالة الثانية في النشوز والشقاق ، والكلام فيها يقع في مقامين :
الأول في النشوز : وهو لغة الارتفاع ، وشرعا الخروج عن الطاعة ، يقال : نشز الرجل ينشز نشزا ، إذا كان قاعدا فنهض قائما ، ومنه قوله عزوجل «وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا» (١) أى انهضوا إلى أمر من أمور الله تعالى.
قالوا : وسمى خروج أحد الزوجين عن طاعة الآخر نشوزا ، لأنه بمعصيته قد ارتفع وتعالى عما أوجب الله عليه من ذلك ، ولذلك خص النشوز بما إذا كان الخروج من أحدهما ، لأن الخارج ارتفع على الآخر ، فلم يقم بحقه أو عن
__________________
(١) سورة المجادلة : آية ١١.