كانا غير مريدين للإصلاح بينهما ، قال المخالف : من أين قلت هذا؟ قال هشام : من قول الله في الحكمين «إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما». فلما اختلفا ولم يكن اتفاق على أمر واحد ولم يوفق الله بينهما ، علمنا أنهما لم يريدا الإصلاح.
العاشر : لو غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث الحكمين فهل ينفذ حكمهما أم لا؟ صرح الشيخ في المبسوط بالثاني ، فقال : لا يجوز الحكم مع غيبة أحدهما لأن الحكم حينئذ مشروط ببقاء الشقاق والخصومة بينهما ، ومع الغيبة لا يعرف بقاء ذلك ، ولأن كل واحد منهما محكوم له وعليه ، ولا يجوز القضاء للغائب وإنما يجوز عليه.
وجوز المحقق والمتأخرون الحكم مع الغيبة ، لأنه مقصور على الإصلاح وهو غير متوقف على الحضور ، وأجابوا عن دليل الشيخ بأن الأصل بقاء الشقاق استصحابا لما كان قبل الغيبة.
قال في المسالك : وفيه نظر ، لجواز أن يشمل الحكم مع الإصلاح على شرط لأحدهما ، فيكون حكما للغائب وإن حصل معه الإصلاح.
أقول : لا يخفى أن كلام المجوزين مبني على ما تقدم نقله عنهم من أنه لا يجوز للحكمين الحكم بالفرقة إلا بعد الاستئذان ، فلذا خصوا الجواز بالإصلاح.
والتحقيق أنك قد عرفت أن أخبار المسألة قد خرجت على نوعين (أحدهما) ما إذا اشترط الحكمان على الزوجين قبول ما يحكمان به ، وأنه ليس في هذه الصورة مراجعة ، لا في فرقة ولا إصلاح ، كما دلت عليه الأخبار المذكورة ، وقضية ذلك جواز الحكم مع الغيبة ، لأنه بالاشتراط عليهما وقبولهما الشرط لزم قبولهما لما يحكمان به ، حضرا أو غابا كما اعترفوا به في صورة الإصلاح ، اشتمل الحكم على شروط أو لم يشتمل ، والفرق بين الحكم له وعليه لا أعرف له دليلا واضحا ، فإن قضية التحكيم قبول ما يحكم به الحكمان كيف كان ، وبأي صورة كان ، هذا مقتضى ظاهر الأخبار المذكورة.