وقوله : «من نار» باعتبار الغالب ، كقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ).
ومساق الآية ، كما هو للدّلالة على كمال قدرة الله وبيان بدء خلق الثّقلين ، فهو للتّنبيه على المقدّمة الثّانية الّتي يتوقّف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول الموادّ للجمع والإحياء.
وفي عيون الأخبار (١) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في هاروت وماروت حديث طويل ، وفيه بعد أن مدح ـ عليه السّلام ـ الملائكة وقال : معاذ الله من ذلك ، إنّ الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله ـ تعالى ـ.
قالا : قلنا له : فعلى هذا لم يكن إبليس ـ أيضا ـ ملكا؟
فقال : لا ، بل كان من الجنّ. أما تسمعان الله يقول : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ)؟ فأخبر ـ عزّ وجلّ ـ أنّه كان من الجنّ ، وهو الّذي قال الله ـ تعالى ـ : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ).
وفي كتاب الخصال (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : الآباء ثلاثة : آدم ولد مؤمنا ، والجانّ ولد [مؤمنا و] (٣) كافرا ، وإبليس ولد كافرا ، وليس فيهم نتاج إنّما يبيض ويفرخ ، وولده ذكور ليس فيهم إناث.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : الجنّ من ولد الجانّ ، منهم مؤمنون و [منهم] (٥) كافرون ويهود ونصارى ، وتختلف أديانهم. والشّياطين من ولد إبليس ، وليس فيهم مؤمن إلّا واحد ، اسمه : هام بن هيم بن لا قيس بن إبليس ، جاء إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرآه جسيما عظيما وامرأ مهولا.
فقال له : من أنت؟
قال : أنا هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس ، كنت يوم قتل قابيل غلاما ابن أعوام ، أنهي عن الاعتصام وآمر بإفساد الطّعام.
__________________
والقياس أن الحياة لا تكون إلّا في المركّب؟ فأجاب : بأنّا لا نسلّم امتناع خلق الحياة في الجسم البسيط ، كما لا يمتنع خلقها في المجرّدات مع أنّها أبعد من الحياة من الجسم.
(١) العيون ١ / ٢١٠ ، ح ١.
(٢) الخصال ١ / ١٥٢ ، ح ١٨٦.
(٣) من المصدر.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦.
(٥) من المصدر.