(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) : تستفيدونه بتوسّط حواسّكم ، فإنّ اكتساب العقل للمعارف النّظرية إنّما هو من الضّروريّات المستفادة من إحساس الجزئيّات ، ولذلك قيل : من فقد حسّا فقد فقد علما. ولعلّ أكثر الأشياء لا يدركه الحسّ ، ولا شيئا من أحواله المعرّفة لذاته. وهو إشارة إلى أن الرّوح [ممّا] (١) لا يمكن معرفة ذاته إلّا بعوارض تميّزه عمّا يلتبس به ، فلذلك اقتصر على هذا الجواب ، كما اقتصر موسى في جواب : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢) بذكر بعض صفاته.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : وقوله (٤) : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وذلك أنّ اليهود سألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن الرّوح.
فقال : (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).
قالوا : نحن خاصة؟
قال : بل النّاس عامّة.
فقالوا : فكيف يجتمع هذان ، يا محمّد ، تزعم أنّك لم تؤت من العلم إلّا قليلا وقد (٥) أوتيت القرآن وأوتينا التّوراة ، وقد قرأت : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) وهي التّوراة (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٦).
فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ). يقول : علم الله أكثر (٧) من ذلك ، وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله.
وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). قال : تفسيرها في الباطن : أنّه لم يؤت من (٩) العلم إلّا أناس يسير ، فقال : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)
__________________
(١) من أنوار التنزيل ١ / ٥٩٦.
(٢) الشعراء / ٢٣.
(٣) تفسير القمّي ٢ / ١٦٦.
(٤) لقمان / ٢٦.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : لقد.
(٦) البقرة / ٢٧٢.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : أكبر.
(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٣١٧ ، ح ١٦٤.
(٩) ليس في المصدر.