فإن قلت : جرت الياء الأولى مجرى الحرف الصحيح لأجل الإدغام ، فكأنها ياء وقعت بعد حرف صحيح ساكن فحركت بالكسر على الأصل.
قلت : هذا قياس حسن ، ولكن الاستعمال المستفيض الذي هو بمنزلة الخبر المتواتر تتضاءل إليه القياسات.
قال أبو حيان (١) ـ رحمهالله تعالى ـ : «أما قوله : واستشهدوا لها ببيت مجهول ، فقد ذكر غيره أنه للأغلب العجلي ، وهي لغة باقية في أفواه كثير من النّاس إلى اليوم ، يقولون : ما فيّ أفعل كذا بكسر الياء».
قال شهاب الدّين (٢) : الذي ذكره صاحب هذا الرجز هو الشيخ أبو شامة قال ورأيته أنا في أوّل ديوانه ، وأول هذا الرجز :
٣٢١٠ ـ أقبل في ثوب معافريّ |
|
عند اختلاط اللّيل والعشيّ (٣) |
ثم قال أبو حيان (٤) : «وأما التقدير الذي ذكره فهو توجيه الفراء نقله عن الزجاج وأما قوله : في غضون كلامه حيث قبلها ألف ، فلا أعلم «حيث» يضاف إلى الجملة المصدرة بالظرف ، نحو : «قعد زيد حيث أمام عمرو بكر ، فيحتاج هذا التركيب إلى سماع».
قال شهاب الدين (٥) ـ رحمهالله ـ : «إطلاق النحاة قولهم : إنها تضاف إلى الجمل كاف في هذا ، ولا يحتاج تتبع كلّ فرد فرد مع إطلاقهم القوانين الكلية».
ثم قال : وأما قوله : لأن ياء الإضافة إلى آخره ، قد روي بسكون الياء بعد الألف ، وقد قرأ بذلك القراء ، نحو : (وَمَحْيايَ) [الأنعام : ١٦٢].
قال شهاب الدين (٦) : مجيء السّكون في هذه الياء لا يفيده ههنا ، وإنّما كان يفيده لو جاء بها مكسورة بعد الألف فإنه محل البحث ، وأنشد النحاة بيت الذبياني بالكسر والفتح ، وهو قوله : [الطويل]
٣٢١١ ـ عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة |
|
لوالده ليست بذات عقارب (٧) |
وقال الفراء (٨) في كتاب «المعاني» له : «وقد خفض الياء من «مصرخي» الأعمش
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٠٩.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٦٢.
(٣) البيت للأغلب العجلي. ينظر : الخزانة ٤ / ٤٣١ ، حاشية يس ٢ / ٦٠ ، إبراز المعاني / ٥٥١ ، الدر المصون ٤ / ٢٦٣.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٠٩.
(٥) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٦٣.
(٦) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٦٣.
(٧) ينظر : ديوانه (٩) ، المحتسب ٢ / ٤٩ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ١٨٠ ، الهمع ٢ / ٥٣ ، الدرر ٢ / ٦٨ ، الألوسي ١٣ / ٢١٠ ، الخزانة ٢ / ٣٦٠ ، شرح الكافية الشافية (١٠٠٨).
(٨) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٧٥.