ويحيى بن وثاب جميعا حدّثني بذلك القاسم بن معن عن الأعمش ، ولعلها من وهم القراء فإنه قلّ من سلم منهم من الوهم ، ولعله ظن أنّ الياء في (بِمُصْرِخِيَ) خافضة للفظ كله ، والياء للمتكلم خارجة عن ذلك ، قال : ومما [نرى](١) أنهم وهموا فيه قوله (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) [النساء : ١١٥] بالجزم في الهاء» ، ثمّ ذكر غير ذلك.
وقال أبو عبيد : أمّا الخفض فإنا نراه غلطا ؛ لأنّهم ظنوا أنّ الياء تكسر كل ما بعدها ، وقد كان في القراء من يجعله لحنا ، ولا أحبّ أن أبلغ به هذا كله ، ولكن وجه القراءة عندنا غيرها.
وقال الأخفش (٢) : «ما سمعت بهذا من أحد من العرب ولا من أحد من النحويين».
قال النحاس (٣) : فصار هذا إجماعا ، ولا يجوز ، فقد تقدّم ما حكاه النّاس من أنها لغة ثابتة لبعض العرب.
وقد انتدب لنصرة هذه القراءة أبو علي الفارسي قال (٤) في حجّته : «وجه ذلك أن الياء ليست تخلو من أن تكون في موضع نصب أو جر ، فالياء في النصب والجر كالهاء فيهما وكالكاف في «أكرمتك» وهذا لك ، فكما أنّ الهاء قد لحقها الزيادة في «هذا لهو ، وضربهو» ، ولحق الكاف أيضا الزيادة في قول من قال : «أعطاكه» و «أعطيتكه» فيما حكاه سيبويه وهما أختا الياء ، ولحقت الياء الزيادة في قول الشاعر : [الهزج]
٣٢١٢ ـ رميتيه فأصميت |
|
وما أخطأت [في] الرّميه (٥) |
كذلك الحقوا الياء الزائدة من المد ، فقالوا : فيّ ، ثمّ حذفت الياء الزائدة على الياء كما حذفت الزيادة من الهاء في قول من قال : [الطويل]
٣٢١٣ ـ ........... |
|
... له أرقان(٦) |
وزعم أبو الحسن : أنّها «لغة». ومراد أبي علي بالتنظير بالبيت في قوله : «له أرقان» حذف الصلة ، واتفق أن في البيت أيضا حذف الحركة ولو مثل بنحو «عليه» و «فيه» لكان أولى.
ثمّ قال الفارسي (٧) : كما حذفت الزيادة من الكاف فقيل : أعطيتكه ، وأعطيتكيه كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت من أختها ، وأقرت الكسرة التي كانت تلي
__________________
(١) في ب : يؤكد.
(٢) ينظر : معاني القرآن للأخفش ٢ / ٣٧٥.
(٣) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ١٨٣.
(٤) ينظر : الحجة ٥ / ٢٩.
(٥) ينظر : الخزانة ٥ / ٢٦٨ ، إبراز المعاني (٥٥١) ، القوافي للمبرد ص ٧ ، القوافي للتنوخي ص ٨٠ ، مشكل إعراب القرآن ١ / ٤٠٣ ، شرح الحور العين ص ٩٥ ، تفسير القرطبي ٣ / ٣١١ ، شرح الكافية للرضي ٢ / ٢٢ ، الدر المصون ٤ / ٢٦٣.
(٦) تقدم.
(٧) ينظر : الحجة ٥ / ٢٩.