الياء المحذوفة فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر.
قال : فإذا كانت الكسرة في الياء على هذه اللغة ، وإن كان في غيرها أفشى منها ، وعضده من القياس ما ذكرنا ما لم يجز.
لقائل أن يقول : إنّ القراءة بذلك لحن ، [لاستقامة](١) ذلك في السّماع والقياس ، وما كان كذلك لا يكون لحنا ، وهذا [التوجيه] يوضح التوجيه الثاني الذي تقدّم ذكره ، وأما التوجيه الأول فأوضحه الفراء أيضا.
قال الزجاج (٢) : «أجاز الفراء (٣) على وجه ضعيف الكسر ؛ لأن أصل التقاء الساكنين الكسر».
قال الفراء : «ألا ترى أنهم يقولون : مذ اليوم ، ومذ اليوم ، والرفع في الذال هو الوجه ؛ لأنه أصل حركة «مذ» والخفض جائز ، فكذلك الياء من «مصرخيّ» خفضت ولها أصل في النصب».
قال شهاب الدين (٤) : تشبيه الفراء المسألة ب «مذ اليوم» فيه نظر ؛ لأن الحرف الأول صحيح لم يتوالي قبله كسر ، بخلاف ما نحن فيه ، وهذا هو الذي عناه الزمخشريّ بقوله المتقدم : فكأنّها وقعت بعد حرف صحيح ، وقد اضطرب النقل عن الفراء في هذه المسألة كما ترى من [نقل](٥) بعضهم عنه ، التخطئة مرة [والتصويب](٦) أخرى ، ولعل الأمر كذلك فإنّ العلماء يسألون فيجيبون مما يحضرهم حال السؤال ، وهي مختلفة التوجيه.
الثالث : أن الكسر للإتباع لما بعدها ، وهو كسر الهمزة من «إنّي» كقراءة «الحمد لله» وكقولهم : بعير وشعير ، وشهيد ، بكسر أوائلها إتباعا لما بعدها وهو ضعيف جدّا.
التوجيه الرابع : أنّ المسوغ لهذا الكسر في الياء ، وإن كان مستقلا أنها لما أدغمت فيها التي قبلها قويت بالإدغام ، فأشبهت الحروف الصحاح فاحتملت الكسر لأنه إنما يستثقل فيها إذا حذفت ، وانكسر ما قبلها ، ألا ترى أن حركات الإعراب تجري على المشدد ، وما ذاك إلا إلحاقه بالحروف الصحاح.
والمصرخ : المغيث ، يقال : استصرخته فأصرخني ، أي : فأغاثني فكأن همزه للسكت ، أي: أزال صراخي. والصّارخ : هو المستغيث ، قال : [الطويل]
٣٢١٤ ـ فلا تجزعوا إنّي لكم غير مصرخ |
|
وليس لكم عندي غناء ولا نصر (٧) |
ويقال : صرخ يصرخ صرخا وصرخة ؛ قال : [البسيط]
__________________
(١) في ب : لاستيعاب.
(٢) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٣ / ١٥٩.
(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٧٥.
(٤) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٦٤.
(٥) في ب : التوضيح.
(٦) في أ : تعليل.
(٧) البيت لأمية بن أبي الصلت. ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٠٤ ، القرطبي ٩ / ٣٥٧ ، الدر المصون ٤ / ٢٦٤.