بنائهما على الضم عند قطعهما عن الإضافة ، فجعلوهما غاية ، ومعنى الغاية : أن يجعل المضاف غاية نفسه ، بعد ما كان المضاف إليه غايته ، والأصل إعرابهما ؛ لأنّهما اسمان متمكنان ، وليسا بظرفين.
قال أبو حاتم : وهذا رديء في العربية ، وإنما يقع هذا البناء في الظروف.
وقال الزمخشري (١) : «والمعنى : من قبل القميص ، ومن دبره ، وأما التنكير فمعناه : من جهة يقال لها قبل ، ومن جهة يقال لها دبر» وعن ابن أبي (٢) إسحاق : أنّه قرأ «من قبل» ، و «من دبر» بالفتح (٣) كأنّه جعلهما علمين للجهتين ، فمنعهما الصرف للعلمية ، والتّأنيث ، وقد تقدم [البقرة : ٢٣٥] الخلاف في «كان» الواقعة في حيز الشرط ، هل تبقى على معناها من المضي ، وإليه ذهب المبرّد (٤) ، أم تنقلب إلى الاستقبال كسائر الأفعال ، وأنّ المعنى على التّبيين؟.
قوله : «فكذبت» ، و «صدقت» على إضمار «قد» ، لأنها تقرب الماضي من الحال ، هذا إذا كان الماضي متصرّفا ، فأما إذا كان جامدا ، فلا يحتاج إلى «قد» لا لفظا ، ولا تقديرا.
قوله : (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ) : أي : فلمّا رأى زوجها قميصه قدّ من دبر ؛ عرف خيانة امرأته ، وبراءة يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال لها : «إنّه» ، أي : هذا الصّنيع ، أو قولك (ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) (مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) وقيل : هذا من قول الشاهد.
فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ قال : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] فكيف وصف كيد المرأة بالعظيم ، وأيضا : فكيد الرّجال قد يزيد على كيد النّساء؟.
فالجواب عن الأوّل : أن خلقة الإنسان بالنّسبة إلى خلقة الملائكة ، والسموات ، والكواكب خلقة ضعيفة ، وكيد النسوان بالنسبة إلى كيد البشر عظيم ؛ ولا منافاة بين القولين ، وأيضا : فالنّساء لهنّ في هذا الباب من المكر ، والحيل ، ما لا يكون للرجال ؛ لأنّ كيدهنّ في هذا الباب ، يورث من العار ما لا يورثه كيد الرّجال.
ولما ظهر للقوم براءة يوسف عن ذلك الفعل قال زوجها ليوسف : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) الحديث ، فلا تذكره لأحد حتى لا ينتشر ، ولا يحصل العار العظيم وقيل : إنّه من قول الشّاهد. ثم قال للمرأة [(وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) أي : إلى الله (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) وقيل هذا من قول الشاهد] (٥) (وَاسْتَغْفِرِي) ، أي : اطلبي من زوجك المغفرة ، والصّفح ؛ حتّى لا يعاقبك.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٦١.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٩٨ والدر المصون ٤ / ١٧١.
(٣) قال الزجاج ٣ / ١٠٣ : «والفتح أكثر في الرواية عنه ، ولا أعلم أحدا من البصريين ذكر الفتح غيره».
(٤) ينظر : المقتضب ٣ / ٩٧ ، ٤ / ٨٦ ، وابن يعيش ١ / ١٥٦ ، والهمع ٢ / ٥٩.
(٥) سقط من : ب.